للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبل كان من الأوامر الجوهرية الموجهة إلى النبي في بداية الوحي هذا الأمر الموجز المحكم: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِر} ١.

فأين يقع إذن المبدأ المحدد للإرادة إذا كانت قد قطعت هكذا عن كل هذه الدوافع؟

إن القرآن يدلنا عليه في هذا التحديد الذي يصف به الإنسان التقي، فيقول: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} ٢.

وإن القرآن ليمضي في هذا الاتجاه إل حد القول بأن الذي يأخذ الصدقة ليس هو، الفقير، ولكنه الله سبحانه: {هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} ٣، وللنبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا المقام تعبير رائع، حيث قال: "من تصدق بصدقة بصدقة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا طيبًا، كان إنما يضعها في كف الرحمن، يربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله، حتى تكون مثل الجبل" ٤.

فمن مجموع هذه النصوص يستنتج تحديد كامل للنية الحسنة، طبقًا لمفهوم القرآن، فهي حركة تعدل بها الإرادة الطائعة عن كل شيء، طوعًا أوكرهًا،


١ المدثر: ٦. وقد توسع كثير من المفسرين في هذا المنع، حين حملوا هذا النص على معناه الأوسع، فجعلوه شاملًا لكل حركة في النفس، مهما قل غرضها الدنيوي، حتى ولو كان ذلك انتظارها لجزاء الله الواسع. ولسوف نناقش فيما بعد كون هذا التوسع في مفهوم الأمر يتضمن تحريمًا دقيقًا، ومطلقًا، أو توجيهًا إلى الأمثل.
٢ الليل: ١٧-٢٠.
٣ التوبة: ١٠٤.
٤ الموطأ: كتاب الترغيب في الصدقة, باب ١.

<<  <   >  >>