للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

للطاعة، في وسع من لا يحس بهذا الحرمان المحدد، ما دام تطويل الصوم زيادة على ساعاته محرمًا، كتحريم قطعه قبل موعده. وإذا علمنا أن أولئك الذين يرعون القاعدة بإخلاص متساوون في الطاعة، بصرف النظر عن رد الفعل الخاص في أجسامهم، لنتج عن ذلك بداهة ألا يدخل الألم البدني هنا في الحساب، كجزء من الواجب، بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة.

والواقع أن الواجب شيء آخر، وقد كان من طريق الصدفة أن وجدت له علاقة بالألم. والجهد الذي نبحثه هنا ذو طابع أخلاقي أساسًا، إنه أولًا، وقبل كل شيء نوع من "التدريب" المفروض على "الإرادة الإنسانية"، حتى نحصل منها على قدر من الانتظام، والثبات، في خضوعها "للإرادة الإلهية". ولما كانت إرادتنا سيدة نفسها، من حيث تسيطر على بدنها، ولكنها نائبة الرئيس -إن صح التعبير- أمام الخالق, فإن مهمتها أن توفق بين هذين الأمرين بإتباع أحدهما للآخر، وخيرها يكمن في التزامها بدور الوسيط الذي يعرف قدر نفسه، وشرها في أن تقلب هذا النظام الأصلي، فتتردى إلى أسفل، وتكون مسترقة للشهوات.

ولتيسير هذه المهمة كانت الشعيرة المقترحة غاية في السهولة، نظام غذائي يتبع، شهرًا في كل عام، وهو نظام ينظم الساعات، دون أن يمس كمية الغذاء أو كيفيته: فإذا طلع الفجر أمسك الصائم عن تعاطي أي شيء خلال النهار، وبعد مغرب الشمس يصبح كل شيء مباحًا. وهذا التنظيم نفسه ينطبق على العلاقات الجنسية.

وهكذا تتلقى نائبة الرئيس "أي: الإرادة" بمناسبة عمل واحد أمرين متعارضين، في كل يوم مرتين: أحدهما بأن تكف، والآخر بأن تعمل، فإذا ما حرصت إرادتنا على القيام بتنفيذ هذين الأمرين في مجالها الخاص، ومن أن تعيد نفس التدريب خلال الشهر ... فيا له من ترويض لهذه الإرادة!

<<  <   >  >>