للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} ١، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ٢.

ولقد يحدث أخيرًا أن يكتفي المرء -وهو يؤدي واجباته الأساسية، ويطرح الذنوب الفاحشة- بهذا المستوى المتواضع للرجل الطيب، ومعنى ذلك أنه بدأ -دون شك- بتثبيت مثله الأعلى عند درجة متوسطة، هي أقصى ما يبلغه الجهد المعتدل، وهو خطأ يختلط به "الهدف" و"العمل".

إن اعتدال العمل لا ينبغي أن يتأتى، ولا يمكن أن ينال، إلا على أساس نية تستهدف أعلى قيمة وأسمى درجات الكمال. وأي حد يهبط عن هذا المستوى ستكون له بالضرورة انعكاساته على الإرادة: التوقف، والتناقص والكفاف.

والآيات القرآنية التي تأمرنا بأن نجاهد حق الجهاد في سبيل المثل الأعلى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} ، {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} ، دون التفات لإمكانياتنا -هذه الآيات ليس لها من معنى إنساني آخر. فهي حين تعين لنا هذا الهدف الأسمى، وحين تزكي مطامحنا الأخلاقية إلى غيرما حد -تحاول في الواقع أن تدفع جهودنا إلى أعلى درجة ممكنة في توترها. ولقد رأينا إلى أي حد يحث القرآن الناس أن ينشدوا الأفضل، وأن يسابقوا إلى المراتب الأولى. ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطينا المفتاح، ويحركه بهذا الجهاد النبيل. فهو على حين يأمرنا في نطاق الأشياء المادية أن نقنع بما قسم الله لنا، ناظرين إلى من هم أدنى منا من إخواننا، يوصينا في النطاق الأخلاقي بعكس ذلك، يوصينا بحرارة أن نسمو دائمًا بأنظارنا إلى من هم أسمى منا، وأن نحاول


١ الطلاق: ٢.
٢ الانشراح: ٥-٦.

<<  <   >  >>