للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أما البائن فقد اختلف الفقهاء في وجوب الحداد عليها على قولين مع اتفاقهم على إباحة ذلك لها, ونحن نبيّن هذين القولين وأدلة كل قول وما قد يرد على الدليل المرجوح من المناقشة مسترشدين في ذلك بالمراجع المعتمدة في كل مذهب, فنقول:

١ ـ ذهب الجمهور ومنهم مالك والشافعي في الجديد وأحمد في أحد قوليه وبه قال عطاء وربيعة وابن المنذر إلى عدم وجوب الحداد على المبتوتة١.

الاستدلال لهذا الرأي:

وقد استدل أصحاب هذا الرأي بالمنقول والمعقول:

أما المنقول: فقد استدلوا منه بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشر"٢. وهذه عدة الوفاة فيدل على أن الإحداد إنما يجب في عدة الوفاة٣.

وأما استدلالهم بالمعقول فمن وجوه:

أـ أنّ الحداد في عدة الوفاة إنما هو لإظهار الأسف على فراق زوجها وموته وهذا مالا يوجد في الطلاق فإنه فارقها باختيار نفسه وقطع نكاحها فلا معنى لتكليفها الحزن عليه.

ب ـ أنّ المتوفى عنها لو أتت بولد لحق الزوج الميت لكونه ليس له من ينفيه على فرض أنه ليس له فاحتيط عليها بالإحداد لئلا يلحق بالميت من ليس منه بخلاف المطلقة فإن زوجها باق فهو يحتاط عليها بنفسه وينفي ولدها إذا كان من غيره.

ج ـ إنّ المبتوتة معتدة من غير وفاة فلا يجب عليها الحداد قياسا على الرجعية والموطؤة بشبهة.

٢ ـ وذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد في إحدى الروايتين والشافعي في القديم وبعض المالكية وأبو ثور وأبو عبيد إلى وجوب الحداد على المبتوتة٤.

الاستدلال لهذا الرأي:

استدل أصحاب هذا الرأي بالمنقول والنظر.


١ المنتقى للباجي: ج ٤ ص ١٤٥, مغني المحتاج: ٣ ص ٣٩٨, المغني: ج ٧ ص ٥٢٧.
٢ تقدم تخريجه في الفصل الثاني.
٣ المغني: ج ٧ ص ٥٢٨.
٤ المبسوط: ج ٦ ص ٥٨, المغني: ج ٧ ص ٥٢٧, مغني المحتاج: ج ٣ ص ٣٩٨, فتح الباري: ج ٩ ص ٤٨٦.

<<  <   >  >>