للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بخلاف المبتوتة فإن زوجها لم يكن وفياً لها بل على العكس من ذلك فإنه أوحشها بالإبانة فلا تتأسف بفوته.

ومن جهة أخرى فإنه لا مناسبة بين البينونة وبين الموت؛ إذ أن البينونة لا يمتنع معها عود النكاح بعقد جديد بخلاف الموت فإنه لا يتصور عود النكاح بعده, ثم لو سلمنا بهذا في المطلقة لم نسلم به في المختلعة؛ لأنها قد افتدت نفسها برضاها لطلب الخلاص منه فكيف تتأسف.

ب ـ لو سلمنا بأن الحداد يجب على المبتوتة لفوات نعمة النكاح لقلنا بوجوبه على الأزواج أيضا؛ لأن نعمة النكاح مشتركة بينهما.

وهكذا تتصور المسألة بين القول والدليل والاستدلال والمناقشة, والحق واحد ومصيبه واحد, وسبب اختلاف الفقهاء في هذه المسألة راجع إلى أمرين:

الأمر الأول: هل وجوب الحداد على المرأة لإظهار التأسف على الزوج أو لإظهار التأسف على فوات الزوجية؟ فمن قال: هو لإظهار التأسف على فوات الزوج قال: بعدم وجوب الحداد على المبتوتة, ومن قال: هو لإظهار التأسّف على فوات الزوجية وبيان ذلك هو أن الحداد لإظهار التأسف على فوت نعمة النكاح والوطء الحلال بسببه قال بوجوب الحداد على المبتوتة؛ لأن عين الزوج ما كان مقصوداً لها حتى يكون التحزّن بفواته بل كان مقصودها نعمة النكاح, وهذا يفوتنا في الطلاق والوفاة بصفة واحدة.

الأمر الثاني: هل الحداد حق لله أو حق للزوج؟

فمن قال هو حق لله قال بوجوب الحداد على البائن, ومن قال هو حق للزوج قال بعدم وجوب الحداد عليها.

والذي أراه راجحا في هذه المسألة هو عدم وجوب الحداد على البائن, وإنما رجحت هذا القول لما يأتي:

١ـ الأدلة التي استدل بها القائلون بهذا القول أقوى في نظري من أدلة المخالفين, فحديث الصحيحين الذي ذكرناه في الاستدلال يفيد أن الحداد لا يكون إلا على ميّت كما هو ظاهر اللفظ, ثم قيّد الجواز بما ذكر في الحديث واستثني من ذلك الحداد على الزوج الميت وبين المدة التي يكون بها الحداد, فالمستثنى هنا من جنس المستثنى منه, وكذلك الأدلة التي ذكرناها هنالك كلها تلتقي حول هذا المعنى, وقد عرفت الجواب عن أدلة المخالفين عند ذكرها وهي كلها محتملة, والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال.

<<  <   >  >>