للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تقدير وتدبير من الله العزيز الحكيم؛ يختار له الوسط الذي يكتنفه, والمؤثرات التي تحيط به, ويفاعل بين نفسه وبين ما وضعه فيه, فيخلق فيها ردود الفعل المناسبة للمستقبل القريب. إن الله هو الذي يصنع الأنبياء, وينشئهم النشأة المواتية للرسالة, إنه رب العالمين الذي تقبل مريم: {بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} ١ وهو الذي صنع موسى على عينه, ووضعه في قصر فرعون آية كبرى من آيات التحدي لطغيان سادر, غير مرعو, لينشأ في حجور الجبابرة, ويخرج من عندهم أكبر ناقم, وأشد ساخط على الظلم وتعبيد الشعوب.

ومن ثم لم يكن شئ في حياة محمد صلى الله عليه وسلم قبل المبعث إلا بتدبير الله الخالص وتهيئته وقد يبدو أن كلامنا هذا تحصيل حاصل فكل ما في الوجود إنما هو بتقديره عز وجل. ولكن قلنا ما قلناه لنوجه الأنظار إلى أهميه الظروف والحوادث التي عاشها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لنكتنه مغزاها العميق ,ولنطيل الفكرة في هذه التنشئة التي انتهت إلى تفجير الحكمة الخالدة في فوائده تلك الحكمة التي رفعها الله نبراسا هاديا مشعا للبشرية إلى يوم الدين.

إن حياة تتفتح عن الحكمة الكلية الأخيرة للإنسانية لجديرة بالتفكر والتدبر والاعتبار وبأن تتأمل في شكلها ومضمونها والأحداث التي صنعت مادتها.


١ آل عمران: ٣٧.

<<  <   >  >>