كان أول وحي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار حراء شديد الوطأة. لقد عانى حادثة غير عادية ولا مألوفة , خفية العلة, ولا يفسر حدوثها بسب من الأسباب الظاهرة (كما ينشأ الغيث في السحاب , مثلا) فإن مصدرها ليس عالم الشهادة بل عالم الغيب. هنالك لا يسع الإنسان إلا أن يتلقى بالقبول المطلق والتصديق الكلى , لأن أحداثه فوق منطق الأرض المحدود بالسبب والنتيجة. لذلك لا يقدر على احتمال الوحي إلا الأنبياء الذين أعدهم الله للثبات عند رؤية الملاك, وتصديق ما جاءهم من خبر السماء. ولم يصادف الوحي من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسا لم تهيأ لاستقباله , بل جاءه بعد إعداد طويل من رب العالمين, عرف فيه حوادث غيبية المنشأ, لم يدر لها علة ظاهرة. فكانت مقدمة صالحة لاستقبال الوحي, رفقا من الله برسوله, ورحمة بنفسه البشرية.
وكأن بعض هذه الحوادث كانت تقول له قبل مبعثه: لست وحدك,