للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والظهور والشرف والثراء. ولم يكن له في قريش كلها منافس، وما كان أبناؤه يخشون من بعده مزاحماً، وبدأ البيت الحاكم في مكة في أحسن أحواله منعة جانب، واتحاد رأي ومذهب. ولكن قصياً قبل وفاته أحدث فيه أول زعزعة، إذ جعل الأمر من بعده لابنه عبد الدار، وهو أقل أولاده حظاً من شرف وسؤدد. وكانت الأنظار تتجه إلى عبد مناف لما أصاب من شرف في حياة أبيه، ولكن الأخوة أذعنوا لأمر الأب المهيب، والأمر الحازم، فقد كان قصي لا يخالف ولا يرد عليه بشيء صنعه. واستطاعت هيبة قصي، ومراعاة أبنائه لحقه، واحترامهم لكلمته فيهم ولذكراه أن تحفظ الأمر بينهم من بعده كما أراده أبوهم من غير شقاق أو خصام، وحكم عبد الدار واكتنفته أخوته يساعدونه يعملون لبيتهم ولأنفسهم، لا خلاف ولا نزاع، ولكن أبناءهم من بعدهم لم يكونوا مثلهم في ضبط النفس، والحفاظ على وحدة الحكم فحمي وطيس المنافسة بين أبناء العمومة: بين بني عبد مناف وبين بني عبد الدار. وكان لكل فريق أنصار، ومؤيدين متكافئون وأتى على قريش يوم إذا البيت الحاكم فيه بيتان، وإذا القبيلة قبيلتان، قد تعاقد كل فريق على الموت والفناء فلم يبق إلا السيف والدم، وكانت هذه اللحظة شديدة الحرج، بالغة الخطورة في حياة قريش، ومستقبلها كله، فكان الضياع والخسران والغدر الماحق في انتظارهم جميعاً. وإذا تكافأت القوى المتصارعة وخاف الخطر الناس جميعاً أتيح للعقل دور، وللحكمة مكان. وهكذا كان إذ تداعى الفريقان إلى الصلح، وانتهى الاتفاق إلى إشراك بني عبد مناف في حكم مكة (١) . ثم لم يلبث بنو عبد مناف أن عزوا بني عبد الدار بمكارمهم ومآثرهم، فأخملوا ذكرهم وانصرفت السيادة لبني عبد مناف، وارتفع المجد والشرف بهم. وتعلقت بهم قلوب قريش من غير إكراه وظفروا بتقدير واحترام غيرهم من الأمم (٢) بما أوتوا من كياسة وخطة حكيمة نفعوا بها بلدهم وقومهم.

والحق أن البيت المنافي ظهر فيه شخصيات لم يظهر لها نظائر في بيوتات قصي الأخرى. كان هاشم بن عبد مناف من أقواها، وعبد المطلب بن هاشم من أعلاها قبل الإسلام. وقد أقرت قريش كلها بالسيادة لهما. ولكن النزاع الأول خلف وراءه مضاعفات


١- انظر ابن هشام م١ ص ١٣٢
٢- عقدوا اتفاقيات اقتصادية مع الشام والروم والعراق واليمن. وماتوا - عبد شمس - بعيدين عن مكة في تجاراتهم ومهامهم

<<  <   >  >>