للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

اصبر على مضض الإدلاج بالسحر ... وبالرواح على الحاجات والبكر

لا تعجزن ولا يضجرك مطلبها ... فالنجح يتلف بين العجز والضجر

إني رأيت - وفي الأيام تجربة - ... للصبر عاقبة محمودة الأثر

وقل من جد في أمر يطالبه ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

ومن رحمة الله تعالى ولطفه بعباده أن قرن بصعوبة علم الحديث وشدته لذة وشهوة ومتعة عارمة، تملك فؤاد طالبه، وتجعله ينسى الدنيا بما فيها، وتتركه بين رياض السنة جذلان هيمان. إنها (شهوة الحديث) ، تلك الشهوة التي صنعت المستحيلات، وتضاءلت أمامها كل العقبات. ولولا هذه الشهوة لمات علم الحديث قبل أن يولد، ولتفتت همم الرجال على سفوح جباله، ولساحت العزائم العظام في صحاريه، ولغرقت عقول العباقرة في لجج بحاره. لقد بلغت هذه الشهوة الحديثية إلى درجة أن خاف بعض الأئمة على أنفسهم من أن تتجاوز بهم إلى طرف مذموم من الغلو في التعمق، إلى درجة التقصير في حقوق الخالق أو المخلوقين أو حق النفس، حيث إنها شهوة تفوق وله العاشقين (وهي أطهر) ، وقد فعلت بأصحابها من عجائب الأفاعيل، ما قيدته حقائق التاريخ؛ فلئن هام العاشقون على وجوههم في الصحاري، فلقد كانت الصحارى بعض ما قطعه المحدثون في طلب الحديث، ولئن تعرض الولهون لغيرة أهل المحبوبة من أجل نظرة عابرة منها، فلقد ركب المحدثون الأهوال وعاشوا مع الأخطار من أجل كتابة حديث بإسناد عال كانوا قد كتبوه نازلاً، ولئن تغرب المدنفون وراء مرابع الأحباب، فلقد هجر المحدثون الأهل والأولاد والأوطان إلى غير رجعة، ولئن كان (مجنون ليلى) وأضرابه بالعشرات، فإن أهل الحديث بعشرات الألوف!!

إنها شهوة الحديث: التي حفظ الله تعالى بها الدين، وحمى بها السنة!!

<<  <   >  >>