فن، ومفتاح كنوز دقائق العلوم. وتظهر آثار العلم بهذه الملامح (أو عدم العلم بها) على كل مسألة جزئية منه، لأن بصماتها لا تخلوا منها جميع جزئياته.
وتعرف أهمية الابتداء بإدراك خصائص علم ما، وضرورة فهم مزاياه من أول الإقبال عليه؛ من جهتين اثنتين:
الأولى: أن تلك المزايا والخصائص تمكن طالب العلم من أن يقدر إن كان باستطاعته استيعاب ذلك العلم وأن يبرع فيه، أولا يستطيع؛ على حسب مواهبه الفطرية وميوله العلمية. وذلك فيما إذا وازن طالب العلم - بصدق وموضوعية - بين تلك المميزات وقدرته على التعلم. فكم من طالب علم تعثر في حياته العلمية بسبب عدم قيامه بهذه الموازنة، وكم من طالب علم لو حاول إدراك تلك المميزات للعلوم لوضع قدمه في أول الطريق الصحيح لعلم منها، ثم برع وأبدع فيه بعد ذلك.
الثانية: أن تلك الخصائص والمميزات الكبرى لأي علم من العلوم تستلزم أسلوباً خاصاً في طلبه؛ ولكل خصيصة منها منهج معين في التحصيل بمواجهتها. فإدراك طالب ذلك العلم، يجعله واعياً للأسلوب الصحيح في طلب ذلك العلم، عارفاً بعقبات علمه وبوسائل تجاوزها بسرعة؛ فهو بهذا الوعي والمعرفة محيط بالغاية التي يريد، حتى كأنه بلغها (وإن لم يبلغها) ، لشدة وضوح طريقها أمامه، ولعدم خوفه من حواجز تحول بينه وبينها. وهذا ما جعلني أثني (بعد ذكر شرف علم الحديث وشرف أهله) بأربع مميزات لعلم الحديث، هي في ظني أهم خصائصه، وأوضح ملامحه، تستوجب تجاهها طريقة خاصة في الطلب ومنهجاً معيناً في تعلم علم الحديث.
ثم ختمت هذه الورقات بذكر خطة دراسية منهجية مختصرة للحديث النبوي الشريف ولعلومه، حاولت خلالها وضع مستويات دراسية مرتبة على نظرية التدرج في طلب العلم، من البداية بالمجملات إلى الوصول إلى المفصلات الموسعات من كتب العلم.
ومن خلال هذه العناصر أحسب أني قد ساهمت في الإجابة على سؤال يقول: كيف أصبح محدثاً عارفاً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.