ثم قال:{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} بصيغة ترجّي الفلاح. ثم أخبر أنهم بعد أن قاموا بما أمرهم به ربهم، أن الفلاح قد وقع على جهة التحقيق والتأكيد، فجاء بـ (قد) الداخلة على الفعل الماضي، وهي تفيد التحقيق والتوقع والتقريب. فقد كان الفلاح متوقعاً مرجوّاً لهم، فحصل ما توقعوه وتحقق عن قريب. فما أَسرعَ ما نَفَّذُوا وما أسرعَ ما تَحقَّقَ لهم الفلاح! فانظر كيف اقتضى التعبير (قد) من جهات عدة، وانظر ارتباط كل ذلك بالسورة قبلها.
جاء في (البحر المحيط) في هذه السورة: "ومناسبتها لآخر السورة قبلها ظاهر، لأنه تعالى خاطب المؤمنين بقوله:{ياأيها الذين آمَنُواْ اركعوا} الآية وفيها: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} ، وذلك على سبيل الترجية فناسب ذلك قوله:{قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} إخباراً بحصول ما كانوا رَجَوْهُ من الفلاح".
لقد ابتدأ بالصفة التي تستدعي الفلاح، ولا فلاح من دونها وهي الإيمان، وكل ما عداها من الصفات، إنما هي تَبَعٌ لها فإن لم يكن إيمان فلا فلاح أبداً، كما قرر في آخر السورة، فقد قال في أول السورة:{قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} ، وقال في خاتمتها:{إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكافرون} . فانظر التناسب بين مفتتح السورة وخاتمتها، وانظر التناسب بين هذا المفتتح وخاتمة السورة قبلها.
ثم ذكر أولَ صفة للمؤمنين، وهي الخشوع في الصلاة فقال:{الذين هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} والخشوع في الصلاة، يعني خشية القلب وسكون الجوارح، وهو روح الصلاة، والصلاة من غير خشوع، جسد بلا روح.