وجاء في (روح المعاني) تفسير (راعون) : "قائمون بحفظها وإصلاحها. وأصل الرعي، حفظ الحيوان؛ إما بغذائهِ الحافظِ لحياته أو بذبِّ العدو عنه، ثم استعمل في الحفظ مطلقاً".
فالرعي ليس مجرد الحفظ؛ بل هو الحِفْظُ والإصلاح والعناية بالأمر وتولي شأنه، وتفقد أحواله وما إلى ذلك. وهذا ما يتعلق بالأمانة كثيراً وليس مجرد الحفظ كافياً. فمن ائتمن عندك أهله وصغاره، فلا بد من أن تتفقد أمورهم وتنظر في أحوالهم وحاجاتهم علاوة على حفظهم، وكذلك مَنْ تولى أمرَ الرعية، ونحوه مَن اؤتمن على زرعٍ أو ضرع، وكذلك ما حمّله الله للإنسان من أمر الشرع يحتاج إلى قيام به وتحرٍّ للحق فيما يُرضي الله وما إلى ذلك من أمور لا يصح معها مجرد الحفظ، فالرعاية أشمل وأعم.
ثم إن هناك فرقاً آخر بين رعي الأمانة وحفظ الفروج، ذلك أن الفروج جزء من الإنسان، وهي لا تندّ عنه، أما الأمانات فقد تكون في أماكن متعددة، وربما تكون أماكن حفظها نائية عنه، فهي تحتاج إلى تفقد ورعاية كما يحتاج الحيوان إلى حفظه من الذئاب والوحوش الضارية. وقد يصعب على الإنسان المحافظة على الأمانة، من العادين واللصوص فيضطر إلى تَخْبئتها في أماكن لا ينالها النظرُ ولا يَطُولها التفتيشُ، فكان على المؤتمن أن ينظر في حفظها كما ينظر الراعي في أمرِ ما يرعاه. فاختيار الرعي لها أنسب من الحفظ.
ثم إن اختيار كلمة (راعون) بالصيغة الاسمية دون الفعلية له سببه، فإنه لم يقل:(يرعون) ذلك ليدلَّ على لزوم ثبات الرعي ودوامه وعدم الإخلال به البتة.