٣- جاء بـ (لا) بعد حرف العطف فقال: {لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ} ولم يقل: (أموالكم وأولادكم) ذلك أن كلاً من الأموال والأولاد داعٍ من دواعي الإلهاء، فالمال داع من دواعي الإلهاء وكذلك الأولاد. ولو قال:(أموالكم وأولادكم) لاحتمل أن النهي عن الجمع بينهما، فلو لم يجمع بينهما جاز، فلو انشغل بالمال وحده جاز، أو انشغل بالأولاد وحدهم جاز، وهو غير مراد. إذ المراد عدم الانشغال بأيِّ واحدٍ منهما على سبيل الانفراد أو الاجتماع.
٤- قدم الأموال على الأولاد لأن الأموال تلهي أكثر من الأولاد، فإن الانشغال فيها وفي تنميتها يستدعي وقتاً طويلاً وقد ينشغل المرء بها عن أهله، فلا يراهم إلا لماماً فقدم الأموال لذلك.
٥- قدم المفضول على الفاضل، فالأولاد أفضل من الأموال، لأن المال إنما يكون في خدمتهم ويترك لهم وذلك لأكثر من سبب.
منها: أن المقام مقام إلهاء كما ذكرنا فاستدعى تقديمها.
ومنها: أن المقام يقتضي ذلك من جهة أخرى، فإن هذا التقديم نظير التقديم في الآية اللاحقة من تقديم المفضول وهو قوله:{فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصالحين} فقدم الصدقة على كونه من الصالحين.
ولما قدم النهي عن الالتهاء بالمال قدم الصدقة. والصدقة إنما هي إخراجٌ للمال من اليد والقلب، والالتهاء إنما هو انشغال به بالقلب والوقت والجارحة.
ولما قال:{عَن ذِكْرِ الله} قال: {وَأَكُن مِّنَ الصالحين} لأنَّ المُنشغلَ عن الفرائضِ وذِكْرِ الله ليس من الصالحين. فهو تناظرٌ جميل.