بنفع، ولا يدفع عنه ضراً وليست له مصلحة فيه؛ بل العكس هو الصحيح بخلاف الطلب الآخر، فإنه يريده لنفسه حقاً وإنه لا شيء ألزم منه لمصلحته هو ودفع الضرر عنه.
فلما كان طلب التأخير لمصلحة الطالب حقاً، وأنه ابتغاء لنفسه على وجه الحقيقة أظهر الضمير. ولما كان طلب إبليس ليس من أجل نفسه ولا يعود عليها بالنفع حذف الضمير واجتزأ بالكسرة.
ثم في الحقيقة، إن كلام إبليس ليس طلباً، وإنما هو شرطٌ دخل عليه القَسَم فقال:{لَئِنْ أَخَّرْتَنِ} فهو من باب الطلب الضمني، وليس من باب الطلب الصريح. وأما قوله:{لولا أخرتنيا} فهو طلب صريح ففرق تبعاً لذلك بين التعبيرين. فصرّح بالضمير وأظهر نفسه في الطلب الصريح، وحذف الضمير واجتزأ بالإشارة إليه في الطلب غير الصريح. وهو تناظرٌ جميل، ففي الطلب الصريح صَرَّحَ بالضمير، وفي الطلب غير الصريح لم يصرح بالضمير.
١١- وهنا نأتي إلى سؤال السائل وهو: لِمَ عطفَ بالجزم على النصب، فقال:(فأصّدّقَ) بالنصب ثم قال: (وأكنْ) بالجزم ولم يجعلهما على نسق واحد؟
والجواب: أن هذا مما يسميه النحاة (العطف على المعنى) وقد يسمى في غير هذا القرآن (العطف على التوهم) . ذلك أن (أصّدّق) منصوب بعد فاء السببية، و (أكن) مجزوم على أنه جواب للطلب، والمعنى: إنْ أخرتني أكن من الصالحين. ونحو ذلك أن تقول:(هلاّ تدلّني على بيتك أَزُرْك) ، فـ (أزرك) مجزوم بجواب الطلب والمعنى، إن تدلني على بيتك أزرك ولو جئت بفاء السبب لنصبت، فقلت:(هلا تدلني على بيتك فأزورَك) ، وإن أسقطت الفاء وأردت معنى الشرط جزمت.