وهناك جانب فني آخر، غير التقديم والتأخير، وهو اختيار لفظ (المرء) في آية (عبس) على (الإنسان) فقال: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ} في حين قال قبل هذه الآيات: {قُتِلَ الإنسان مَآ أَكْفَرَهُ} وقال: {فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ} ، ذلك أن الأصل في كلمة (المرء) أن تطلق على الرجل، وقد تُؤنَّثُ هذه الكلمة فيقال:(المرأة) وجَمْعُ المرء الرجال من غير لفظه، وقد تطلق على الإنسان أيضاً.
فاختيار (المرء) ههنا أوفق من (الإنسان) ذلك أنه ذكر الفرار من الصاحبة، وهي الزوجة فقال:{وصاحبته وَبَنِيهِ} فناسب ههنا ذكر (المرء) لأن (الإنسان) كلمة تشمل الذكر والأنثى، في حين أن الفارّ من الصاحبة هو الرجل.
ثم إن اختيار كلمة (المرء) أوفق لسبب آخر ذلك أن مشهد الفرار يوم القيامة لا يختص بالإنسان، بل هو عام يشمل رجال الثقلين من الجن والإنس، وأن كلمة رجل ورجال تطلق على هذا الجنس من الثقلين، قال تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنس يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجن فَزَادُوهُمْ رَهَقاً}[الجن: ١] .
فكلمة (مرء) أعمُّ من كلمة (إنسان) من ناحية وأخصُّ منها من ناحية أخرى، فهي قد تستعمل للرجل خاصة فتكون أخص من كلمة (إنسان) التي تشمل عموم البشر من الذكور والإناث، وقد تستعمل لغير الإنسان، أعني الجن الذين يشملهم الفرار في الآخرة، فتكون أعم بهذا المعنى في حين أن المَعْنيَّ بالآيات السابقة هو (الإنسان) فقط {فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً} إلخ وهذا خاص بالإنسان.