الوحيد وذلك كما تقول:(يشرح خالدٌ لكَ هذا الأمر) فإنك ذكرت أن خالداً يشرح له الأمر ولم تُفِدْ أن خالداً يخصه بالشرح لأحدٍ غيره. ولو قال:(لكَ يشرحُ خالد هذا الأمر) لأفاد أنه يخصه بالشرح ولا يشرح لأحد آخر. فتقديم الجار والمجرور على عامله يفيد القصر غالباً.
وهذا موطن قصر، إذ لا يمكن أن يفعل ذلك غير الله تعالى، أعني التكفل بتثبيت القرآن في النفس بمجرد سماعه.
وإدخال (إنّ) يقتضيه المعنى أيضاً في أكثر من جهة:
من ذلك أنها تفيد التعليل كما في قوله تعالى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاوتك سَكَنٌ لَّهُمْ}[التوبة: ١٠٣] . فهنا أفادت التعليل وبَيَّنت سبب النهي عن تحريك اللسان. فقد قال: لا تحرك به لسانك، لأن جمعه في صدرك نحن نتكفل به. ولو لم يدخل (إنّ) لم يرتبط الكلام ولانتفى معنى التعليل إذ لو قال: (لا تحرك به لسانك لتعجل به علينا جمعه وقرآنه) لم تجد له هذا الحُسْنَ الذي تجد، ولانفصل الكلام بعضه عن بعض. فـ (إن) ربطت الكلام بعضه ببعض وأفادت التعليل.
ومن ذلك أنها تفيد التوكيد، وهذا الموطن يقتضي التوكيد إذ إن حفظ الإنسان لكل ما يُلْقى إليه بمجرد سماعه أمرٌ غريب والتكفُّلُ به يحتاج إلى توكيد. ولذا جاء بـ (إنّ) المؤكدة.
وقال بعد ذلك:{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} .
ومعنى:{فاتبع قُرْآنَهُ} أي: اتّبعه بذهنك وفكرك، أي: فاستمع له.