إما أن تعجل فتعمل عملاً تندم عليه، فتلوم نفسها على ذلك، وهذا ما يفيده قوله:{كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة} ، وإما أن تؤخر عملاً كان ينبغي لها عمله فيفوتها خيره، فتندم عليه، فتلوم نفسها على ذلك وهذا ما يفيده قوله:{وَتَذَرُونَ الآخرة} فهو هنا عجّل أمراً وترك آخر فندم من الجهتين ولام نفسه في الحالتين، لام نفسه في العجلة ولام نفسه في التَّرك.
وما أحرى أن تسمى هذه النفس بالنفس اللوامة، لأن دواعي اللوم متكاثرة عليها.
ثم انظر كيف اختار الفعل:{وَتَذَرُونَ} على (تتركون) ذلك أن في (تذرون) حذفاً وأصله (تَوذَرون) من (وَذِرَ) ليدل ذلك على طابع العجلة الذي يريد أن ينتهي من الشيء في أقرب وقت. فاختيار هذا الفعل المحذوف الواو، مناسبٌ لجو العجلة.
وقد تقول: ولِمَ لم يقل: (تَدَعون) وهو فيه حذف كما في {وَتَذَرُونَ} ؟
والجواب - والله أعلم - أن اختيار (تَذَرون) على (تَدَعون) له سببه ذلك أن الفعل (وذر) في عموم معانيه يفيد الذم، ومنه قولهم: امرأة وذِرة أي: رائحها رائحة الوذْر، وهو اللحم، وقولهم:(يا ابنَ شامَّةِ الوذر) وهو سَبٌّ يكنى به عن القذف. وفي الحديث:"شَرُّ النساء الوذِرة المذِرة" بخلاف (ودع) فإن من معانيه الرائحة والدعة وخفض العيش. وقد يفيد المدح ومنه قولهم: رجل وديع، أي: هادئ ساكن. في حين أن