للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الموقف موقف ذم فإنهم يحبون العاجلة ويذرون الآخرة، فاختار الفعل الذي يقال في عموم معانيه للمدح. وهو اختيار فَنيٌّ رفيع.

ثم قال بعد ذلك: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} .

هذان الصنفان هما ما يؤولُ إلى أحدهما الناسُ يوم القيامة. الذي يؤثر الآخرة ويعمل لها، والذي يحب العاجلة ويذر الآخرة. وهذه الآيات مرتبطة بأول السورة وهو القَسَمُ بيوم القيامة أتمَّ ارتباط. فإنه في يوم القيامة ينقسم الناس إلى هذين الصنفين.

ثم إن لاختيار كلمة (رب) وتقديم الجار والمجرور سببه أيضاً.

أما اختيار كلمة (رب) فهو أنسب شيء ههنا، فإن وجوه أهل السعادة تنظرُ إلى وليّ نعمتها في الدنيا والآخرة ومربيها وسيدها الذي غذاها بالنعم وهداها إلى طريق السعادة، وأوصلها إليه ولم تكن قد رأته من قبل. ولم يرد في هذه السورة من أسماء الله تعالى غير لفظ (الرب) .

وأما تقديم الجار والمجرور في قوله تعالى: {إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فللاختصاص، فإن هذه الوجوه لا تنظر إلا إليه، فإن النظر إليه يُذْهِلُهَا عن كلِّ ما عداه وينسي أهلها ما عداه من النعيم، فإن أهل الجنة ما أُعطُوا شيئاً أحبّ إليهم من النظر إليه كما في الحديث الصحيح. فهذا من أوجب مواطن الاختصاص. فالتقديم اقتضاه المعنى كما اقتضته موسيقى الفاصلة. وهذا الجمع بين النضرة وسعادة النظر إلى وجهه الكريم، يشبه الجمع بين النضرة والسرور في قوله تعالى: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} [الإنسان: ١١] .

<<  <   >  >>