للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال بعدها في الصنف الشقيّ: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} .

وهذه بمقابل الوجوه الناضرة، وهي وجوهُ مَنْ آثرَ العاجلة، وترك الآخرة، وجوهُ مَنْ يريد ليفجرَ أمامه، الوجوه التي ينبغي لأصحابها أن يُكْثِرُوا اللومَ لأنفسهم ويبالغوا في اللوم.

وتقديم {يَوْمَئِذٍ} في الآيتين يفيد الاختصاص وهو ما يقتضيه المعنى والفاصلة، فإن نضرة أصحاب النعيم خاصة بذلك اليوم، أما في الدنيا فربما لم تعرف وجوههم النضرة. وكذلك أصحاب الوجوه الباسرة، فإن البُسُورَ مختصٌّ بذلك اليوم، وربما كانت وجوههم من أنضر الوجوه في الدنيا.

{تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} .

والفاقرة: الداهيةُ العظيمة التي تقصم فقار الظهر وأصلها من الفقرة والفقارة كأن الفاقرة تكسر فقار الظهر.

واختيار فعل الظن مناسب أحسن مناسبة لجو السورة والسياق مع أن الموطنَ موطنُ علمٍ ويقين، وقد فسره أكثر المفسرين بالعلم واليقين، ذلك أن الإتيان بفعل الظن متناسب مع تأخير التوبة وإيثار العاجلة وتقديم الفجور، فإنه في الحياة الدنيا بنى حياته على الظن، فهو يظن أنه سيمتد به العمر ويطول به الأجل، فيسوّف بتوبته ويقدم شهوته. وهذا الظن يرافقه إلى اليوم الآخر، فهو إلى الآن يظن وقوع الداهية ظناً، وهو إلى الآن في حالِ ظنٍّ وأملٍ لا في حالِ علمٍ وبصيرة، فهو لا يرى إلا اللحظة التي هو

<<  <   >  >>