فيها، وما بعدها فهو عنده ظنٌّ لا يقين كما كان شأنه في الدنيا يقدم شهوته ويؤثر عاجلته ويقول: أيَّانَ يوم القيامة؟
فانظر هذا الاختيار الرفيع لفعل الظن في هذا الموقف، وانظر تناسب ذلك مع النفس اللوامة التي لا ترى إلا ما هي عليه حتى تفوتها الفرصة، ويفوتها معها الخير، ويدركها سوء العاقبة، فتلوم نفسها على ما فرطت في جنب الله.
وذُكِرَ لاختيار فِعْلِ الظن سببٌ آخر هو أن الظانّ لا يعلم نوع العقوبة، ولا مقدارها فيبقى وَجِلاً أشد الوجل، خائفاً أعظم الخوف من هذا الأمر الذي لا يعلم ما هو ولا مداه ولا كيف يَتَّقيه. ألا ترى أن الذي يعلم ما سيحلُّ به يكونُ مُوطِّناً نفسه على ذلك الأمر بخلاف الذي لا يعلم ماذا يتّقي، وما مداه وما نوع تلك الفاقرة.
جاء في (روح المعاني) : "وجيء بفعل الظن ههنا، دلالة على أن ما هُمْ فيه، وإن كان غاية الشر يتوقع بعده أشد منه وهكذا أبداً ... وإذا كان ظانّاً كان أشدّ عليه مما إذا كان عالماً موطِّناً نفسه على الأمر".
ولاختيارِ الفاقرةِ دون غيرها سببٌ سنذكره في مكانه.
واختيار تعبير {أَن يُفْعَلَ بِهَا} بالبناء للمجهول دون أن يقول مثلاً: (أن تصيبها فاقرة) أو (تحلّ بها) أو نحو ذلك له سبب لطيف. ذلك أن قوله:{أَن يُفْعَلَ بِهَا} معناه أن هناك فاعلاً مُريداً يفعلُ بفقار الظهر ما يريد من تحطيمٍ وقصم. أما القول:(أن تصيبها) أو (تحل بها) فكأن ذلك متروك للمصادفات والظروف، فقد تكون الفاقرة عظيمة أو هينة والفواقر بعضها