أدهى من بعض. فقوله:{أَن يُفْعَلَ بِهَا} أنسب اختيار في هذا السياق إذ لا يترك ذلك للمصادفات والموافقات، بل كان ذلك بقدر.
ثم إنه لم يقل:(أن نفعل بها) بإسناد الفعل إلى ذاته العلية، لأنه لم يُرِدْ أن ينسبَ إيقاع هذه الكارثة والشر المستطير إلى نفسه كما هو شأن كثير من التعبيرات التي لا ينسب الله فيها السوء إلى ذاته العلية نحو قوله:{وَأَنَّا لاَ ندري أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأرض أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً}[الجن: ١٠] . وقوله:{وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشر كَانَ يَئُوساً}[الإسراء: ٨٣] . فلم ينسب الشر إلى ذاته.
ثم قال بعدها:{كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التراقي * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} .
"والضمير في {بَلَغَتِ} للنفس وإن لم يَجْرِ لها ذِكْرٌ". وعدم ذكر الفاعل ولا ما يدل عليه مناسب لجو العجلة الذي بنيت عليه السورة. ونحوه ما مر في حذف جواب القسم في أول السورة، وحذف عامل الحال {قَادِرِينَ} ، وعدم ذكر ما جرى عليه الضمير في قوله:{لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} وغيره مما سنشير إليه.
{وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} وحذف الفاعل وإبهامه في (قيل) مناسبٌ لإضماره وعدم ذكره في {بَلَغَتِ التراقي} كلاهما لم يَجْرِ له ذِكْرٌ، وكذلك الإبهام في (راق) مناسب لسياق الإبهام هذا، فإن كلمة (راق) مشتركة في كونها اسم فاعل للفعل (رقَى يرقي) وهو الذي يقرأ الرقية على المريض ليشفى، وفي كونها اسم فاعل للفعل (رقي يرقَى) بمعنى (صعد) ومنه قوله تعالى: {أَوْ ترقى فِي السمآء}[الإسراء: ٩٣] .