ولا شك أن عدم التصديق، هو أكبر جرماً وضلالاً لأن صاحبه لم يؤمن أصلاً. أما عدم الصلاة فهو أخف. ذلك أن المؤمن إذا قصّر في الطاعات تكاسلاً فقد يغفر الله له أو يتجاوز عنه، لأنه لا يزال في دائرة الإسلام. وقد قال أكثر الفقهاء أن المسلم إذا ترك الصلاة تهاوناً وتكاسلاً غير جاحدٍ لفرضيتها لا يُخْرِجُه ذلك عن الإسلام.
أما إذا لم يؤمن ولم يصدق فلا ينفعه شيء، وإن فعل ما فعل من مظاهر الطاعة. ولذا كانت قوة التهديد بمقابل قوة الوصف. فقال مقابل {فَلاَ صَدَّقَ}{أولى لَكَ} فذكر {لَكَ} ومقابل {وَلاَ صلى}{فأولى} بحذف (لك) إشارة إلى عظم الإيمان وأهميته، وإشارة إلى أن الصفتين المذكورتين ليستا بدرجة واحدة في الضلال.
فهذا الحذف ليس للفاصلة فقط، وإن كانت الفاصلة تقتضيه أيضاً، وإنما هو للمعنى وللفاصلة.
٦- إن الصفتين لم يكررهما بلفظهما بل بمعناهما ومقتضاهما، وهما في لفظ الإعادة والتوكيد أشد سوءاً ونُكراً مما ذكرهما أولاً.
فإنه قال أولاً:{فَلاَ صَدَّقَ} وقال في التأكيد والإعادة: {ولاكن كَذَّبَ} والتكذيب إنما يكون بالإعلان والإشهار. أما عدم التصديق فلا يستلزم الإعلان، وقد تقول:(هو لا يصدّق غير أنه لا يعلن تكذيبه) ، فربما لا يصدّق إنسانٌ بأمرٍ غير أنه لا يكذّبُ به.
فالتكذيب إذن أشد سوءاً أو ضلالاً من عدم التصديق.
وكذا قوله:{وَلاَ صلى} فقد كرره وأكده بقوله: {وتولى} ، والتولّي أعمُّ من عدم الصلاة وأشد.