للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والهاء في {مِنْهُ} تعود على المنيّ، فمن ماء الرجل يكون الذكر والأنثى، وليس للأنثى فيه دخل، ولم يكن هذا الأمر معلوماً حتى العصر الحديث، فقد ثبت أن الذكر هو المسؤول عن الجنس وليس الأنثى. وقد ذكره القرآن الكريم قبل اكتشاف قوانين الوراثة وعلم الأجنّة فقال: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فسوى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزوجين الذكر والأنثى} فأعاد الضمير على المنيّ، ولو أعاده على العلقة لقال: (منها) . ولم يُعده على النطفة مع أنها هي القطرة من المنيّ، لئلا يحتمل إعادته على العلقة، وهذا إعجاز علمي علاوة على الإعجاز الفني.

ثم قال بعد ذلك: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى} .

اسم (ليس) مكنيٌّ غير مصرّح به وهو اسم الإشارة (ذلك) . وقد أشار به إلى ذاتٍ غير مذكورةٍ في الكلام، فناسب ذلك عدم التصريح بالفاعل فيما تقدم من الأفعال.

وناسب آخر السورة أولها، فقد أقسم في مفتتح السورة بيوم القيامة، وختمها بإحياء الموتى.

وقد تقول: ولِمَ قال ههنا: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ} على سبيل التقرير، وقال في أوائل السورة: {بلى قَادِرِينَ} على سبيل الإثبات؟

والجواب أن إحياء الموتى أصعب وأعسر من تسوية البنان في القياس العقلي، وإن كانت الأفعال بالنسبة إلى الله كلها سواء، فجاء في آية إحياء الموتى بأسلوب التقرير الاستفهامي الدال على الأهمية وأكّد القدرة بالباء الزائدة فقال: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ} في حين جاء بالإثبات في تسوية البنان،

<<  <   >  >>