فقد ذكر فيها صنفي الإنسان: الغني والفقير. الصنف الذي أكرمه ربه ونعّمه، والصنف الذي ابتلاه وضيّق عليه الرزق، وهو ما ذكره في سورة البلد. فقد ذكر الإنسان الذي أهلك المال الكثير، وذكر المسكين ذا المتربة واليتيم ذا المقربة.
ووصف الله الإنسان بأنه لا يكرم اليتيم، ولا يحضّ على طعام المسكين في سورة الفجر، وأوصانا بالرحمة وحضّنا على الإنفاق في سورة البلد ذاكراً هذين الصنفين اللذين ذكرهما في سورة الفجر فقال:{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} فذكر الصنفين المذكورين في سورة الفجر، اليتيم والمسكين. ولما وصف الله الإنسان بأنه يحب المال حباً شديداً ويأكل التراث أكلاً لمّاً في سورة الفجر، ذكر في سورة البلد أن هذه عقبة لا يجتازها إلا من أعان الآخرين بماله وسمح لهم به.
ثم انظر إلى علاقة قوله:{وَتَأْكُلُونَ التراث} بقوله: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} وأنه كما يأكل ينبغي أن يُطعم الآخرين، فانظر إلى قوة المناسبة وجمال الارتباط. وقد انتبه المفسرون - رحمهم الله - إلى علاقة هذه السورة بما قبلها.
جاء في (البحر المحيط) : "لما ذكر تعالى ابتلاءه للإنسان بحالة التنعيم، وحالة التقدير وذكر من صفاته الذميمة ما ذكر وما آل إليه حالهُ وحال المؤمن أتبعه بنوع من ابتلائه ومن حاله السيىء، وما آل إليه في الآخرة".
وجاء في (روح المعاني) : "ولما ذم سبحانه فيما قبلها مَنْ أحبَّ المال، وأكل التراث أكلاً لمّاً، ولم يحض على طعام المسكين، ذكر جلّ