قال تعالى:{نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ}[الإنسان: ٢٨] . فهذا الذي خُلق شديداً قوياً ويكابد المصائب والمشاق قد يسبق إلى وهمه أنْ لن يقدر عليه أحد، فيهدده ربه ويتوعده إذا كان عنده هذا الحسبان بأن الذي خلقه وزَوَّده بهذه القوة والشدة أقدر منه على نفسه.
والظاهر أن هذا الحسبان واقرٌ في نفوس البشر فهم يتصورون أنه لا يَتمكَّنُ منهم أحدٌ ولا يقدر عليهم أحد، ولذا تراهم يعيشون في غطرسة وكبرياء وظلم بعضهم لبعض معتصمين بجبروتهم وقوتهم لا يحسبون لمن خلقهم حساباً، ولو حسبوا حساباً لخالقهم وربهم القوي القادر لتطامنوا وتواضعوا.
ثم إن هذه الآية مرتبطة بقوله تعالى:{وَأَنتَ حِلٌّ بهاذا البلد} أي: ألاَ يتصور هؤلاء الذي ينتهكون محارم البلد الحرام ولا يراعون لكَ حُرمةً فيؤذونك ويعذبونك مستندين إلى قدرتهم وجبورتهم ألا يظنون أن هناك من هو أقدر عليهم منهم عليك؟
فهي مرتبطة بما قبلها أتم ارتباط وأحسنه.
جاء في (تفسير الرازي) : "اعلم أنا إن فسرنا (الكبد) بالشدة في القوة، فالمعنى أيحسب ذلك الإنسان الشديد أنه لشدَّتهِ لا يقدرُ عليه أحد، وإن فسرناه بالمحنة والبلاء، كان المعنى تسهيل ذلك على القلب. كأنه يقول: وَهَبْ أنَّ الإنسان كان في النعمة والقدرة، أَفيظنُّ أنه في تلك الحالة لا يقدر عليه أحد؟ ".