للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جاء بعد ذلك من فكِّ الرقاب وإطعام الأيتام والمساكين. فقدم التواصي بالصبر لمّا تقدّم ما يدعو إليه.

وقد تقول: ولمَ لم يقل كما قال في سورة (العصر) : {وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر} [العصر: ٣] ؟ فقد ذكر التواصي بالحق ثم ذكر بعده التواصي بالصبر.

والجواب: أنَّ المقامَ مختلف ففي سورة (العصر) كان الكلام على خسارة الإنسان على وجه العموم، فجاء بالتواصي بالحق على وجه العموم. ولما كان الكلام في سورة البلد على جزء من الحق وهو ما يتعلق بالرحمة والإطعام قال: {وَتَوَاصَوْاْ بالمرحمة} .

وقدم الحق في سورة (العصر) : لأنه الأهَمُّ ولأن الصبر إنما يكون صبراً على الحق. إذ ليس المهم هو الصبر، وإنما المهم أن يصبر على ماذا، ثم إن التمسك بالحق والتواصي به يحتاج إلى صبر أيّ صبر. فقدم الحق لذلك بخلافِ سورةِ البلد، فإنه قدم الصبر على المرحمة لما ذكرنا.

{أولائك أَصْحَابُ الميمنة * والذين كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ المشأمة} .

أي: أولئك الذين آمنوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة، وفَكُّوا الرقبةَ وأطعموا المحتاج في اليوم ذي المسغبة أصحاب الميمنة. والميمنة: مفعلة من اليُمن، وهو الخير والبركة أو من اليمن. وقد يكون معناه جهة اليمين التي تقابل الميسرة وهي الجهة التي فيها السعداء. وقد يكون معناها أصحاب اليمين أي: الذين يُؤتَون صحائفهم بأيمانهم. وقد يكون معناها: أصحاب اليمن والخير على أنفسهم وعلى غيرهم.

<<  <   >  >>