للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واليوم ذو المسغبة ينبغي أن تَشيعَ فيه الرحمةُ وهو من أحوج الأوقات إلى إشاعة الرحمة، واليتيم المسكين من أحوج الخلق إلى الرحمة.

والذين آمنوا ينبغي أن يتواصوا بينهم بالرحمة.

وهكذا بنيت السورة على الصبر والمرحمة.

ثم انظر كيف كرر التواصي مع كل منها فقال: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الذين آمَنُواْ وَتَوَاصَوْاْ بالصبر وَتَوَاصَوْاْ بالمرحمة} ولم يقل: (وتواصوا بالصبر وبالمرحمة) ولا: (وتواصوا بالصبر والمرحمة) لأهمية التواصي بكلٍّ منهما وللدلالة على أن كلاًّ منهما جدير بالتواصي به.

فأنت ترى أن هناك ثلاثة تعبيرات لكل تعبير دلالته:

{وَتَوَاصَوْاْ بالصبر وَتَوَاصَوْاْ بالمرحمة} .

وتواصوا بالصبر وبالمرحمة.

وتواصوا بالصبر والمرحمة.

والتعبير الأول أقوى التعبيرات للدلالة على أهمية كُلٍّ منهما، وذلك لتكرار الفعل مع حرف الجر توكيداً على أهمية ذلك. ثم يأتي التعبير الثاني بالدرجة الثانية وهو تكرار حرف الجر مع المرحمة دون تكرار الفعل، ثم يأتي التعبير الثالث بالدرجة الثالثة، وهو العطف من دون ذكرٍ للفعل ولا لحرفِ الجر. فيكون معنى التعبير الأول، وهو الذي عبرت به الآية أدلّ على أهمية كلٍّ من الصبر والمرحمة وآكد من التعبيرين الآخرين.

ثم انظر من ناحية أخرى كيف قدم التواصي بالصبر على التواصي بالمرحمة ذلك لأنه تقدم ما يحتاج إلى الصبر من المكابدة والمشقة، وانغمار الإنسان فيها، واقتحام العقبة وذكر النجدين. وأخَّر المرحمة لما

<<  <   >  >>