١٣٣٢ - سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ الْأَخْبَارِيَّ يَقُولُ: قَرَأْتُ فِي أَخْبَارِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَهْدِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ زُبْيَةَ الْمَدَنِيِّ وَكَانَ اسْتَصْحَبَهُ لَمَّا وَلِيَ دِمَشْقَ أَنَّهُ كَانَ سَبَبَ وُرُودِهِ الْعِرَاقَ أَنَّ الْمَهْدِيَّ أَشْخَصَ مِنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثِينَ شَيْخًا مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ وَاشْتَهَرَ بِهِ ⦗٧٩٧⦘، قَالَ: فَكُنْتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا مَثَلْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ ضَرَبَهُمْ بِالسِّيَاطِ أَجْمَعِينَ وَأَخَّرَنِي، فَلَمَّا قَدِمْتُ، قَالَ: أَرَاكَ صَبِيًّا أَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْكَ تَتِمُّ بِهِ الْعِدَّةُ؟ قُلْتُ: جَمَاعَةٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: إِذَنْ إِنَّمَا قُرِّبْتَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّكَ مِنْ مِثْلِهِمْ، ثُمَّ دَعَا بِالسِّيَاطِ، فَلَمَّا ضُرِبْتُ سَوْطًا، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَشَدْتُكَ اللَّهَ إِلَّا أَدْنَيْتَنِي إِلَيْكَ أُكَلِّمُكَ وَلَكَ رَأْيُكَ، فَقَدَّمَنِي، فَقُلْتُ: أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَطَنَ أَبِي فِيهَا وَهُوَ مِنْ وَادِي الْقُرَى وَكَانَ تَاجِرًا ذَا مَالٍ، فَعَلَّمَنِي الْقُرْآنَ، ثُمَّ أَمَرَنِي أَنْ أَغْدُوَ إِلَى حَلَقَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَأَرُوحَ إِلَى رَبِيعَةِ الرَّأْيِ فَعَنَّ لِي شَيْخٌ لَمْ أَكُنْ رَأَيْتُهُ قَطُّ، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ قَدْ بَلَغْتَ مِنَ الْعِلْمِ وَمَا أَرَاكَ اسْتَبْصَرْتَ فِي دِينِكَ، فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ يَا عَمِّ؟ فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتَ مُقْعَدًا قَطُّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَلَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا كَلَّفَهُ صُعُودَ نَخْلَةٍ مَا كُنْتَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: جَاهِلٌ، قَالَ: فَلَوْ ضَرَبَهُ عَلَى قُصُورِهِ عَنْ صُعُودِهَا؟ ⦗٧٩٨⦘ قُلْتُ: ظَالِمٌ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ هَذَا حُكْمُكَ عَلَى إِنْسَانٍ فَكَيْفَ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي عِدْلِهِ، أَتَقُولُ: إِنَّهُ يُكَلِّفُ عِبَادَهُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِمْ ثُمَّ يُعَاقِبُهُمْ عَلَيْهِ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] . فَتَعِدُنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُقْعَدِ؟ قَالَ ذُبَيَّةُ: فَضَحِكَ الْمَهْدِيُّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ أَمَرَ فَطَرَحَ ثِيَابِي عَلَيَّ، فَلَمَّا لَبِسْتُ أَدْنَانِي، ثُمَّ قَالَ: أَجَبْنِي وَأَنْتَ آمِنٌ: لَوْ أَنَّكَ فِي سَفَرٍ فَرَأَيْتَ عَلِيلًا فِي بَرِيَّةٍ فَاسْتَطْعَمَ رَجُلًا فَلَمْ يُطْعِمْهُ وَتَرَكَهُ وَمَضَى مَا كُنْتَ قَائِلًا؟ قُلْتُ: ظَالِمٌ، قَالَ: فَهَلْ عَلِمْتَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ كَانَ فِي بَرِيَّةٍ عَلِيلًا عَادِمًا لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؟ قُلْتُ: كَثِيرًا، قَالَ: فَإِنْ دَعَا رَبَّهُ أَنْ يُنَجِّيَهُ هَلْ كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرًا عَلَى أَنْ يُطْعِمَهُ وَيَسْقِيَهُ؟ قُلْتُ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ تَقُولُ إِنْ دَعَا رَبَّهُ أَنْ يُطْعِمَهُ وَيَرْوِيهِ فَلَمْ يُجِبْ دُعَاءَهُ وَمَاتَ: إِنَّ اللَّهَ ظَلَمَهُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَكَيْفَ تَقُولُ لِمَنْ أَقْعَدَكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ: لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا لِلَّهِ تَعَالَى لَا عَلَيْهِ، وَالتَّجْوِيرُ يَجِبُ عَلَيَّ مِنَ ⦗٧٩٩⦘ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ لَا لَهُ يَا ذُبَيَّةَ، إِنَّ الْإِيمَانَ إِذَا سَكَنَ الْقَلْبَ قَبْلَ الِاحْتِجَاجِ لَمْ يُخْرِجْهُ الِاحْتِجَاجُ، وَإِذَا سَكَنَ الِاحْتِجَاجُ قَبْلَ الْإِيمَانِ كَانَ مُنْتَقِلًا مَتَى حَاجَّهُ مَنْ هُوَ أَحَجُّ مِنْهُ. فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ وَاللَّهِ ثَلَجَ بِحِجَاجِكَ صَدْرِي وَأَنَا تَائِبٌ، فَأَمَرَ لِي بِجَائِزَةٍ وَكِسْوَةٍ وَخَلَّى سَبِيلِي
١٣٣٣ - قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ الْحَافِظُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَاسْتَتَابَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْقَادِرُ بِاللَّهِ حَرَسَ اللَّهُ مُهْجَتَهُ، وَأَمَدَّ بِالتَّوْفِيقِ أُمُورَهُ، وَوَفَّقَهُ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ بِمَا يُرْضِي مُلَيْكَهُ. فُقَهَاءُ الْمُعْتَزِلَةِ الْحَنَفِيَّةِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِ مِائَةٍ، فَأَظْهَرُوا الرُّجُوعَ وَتَبَرَّءُوا مِنَ الِاعْتِزَالِ، ثُمَّ نَهَاهُمْ عَنِ الْكَلَامِ وَالتَّدْرِيسِ وَالْمُنَاظَرَةِ فِي الِاعْتِزَالِ وَالرَّفْضِ وَالْمَقَالَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، وَأَخَذَ خُطُوطَهُمْ بِذَلِكَ وَأَنَّهُمْ مَهْمَا خَالَفُوهُ حَلَّ بِهِمْ مِنَ النَّكَالِ وَالْعُقُوبَةِ مَا يَتَّعِظُ بِهِ أَمْثَالُهُمْ، وَامْتَثَلَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ وَأَمِينُ الْمِلَّةِ أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودٌ أَعَزَّ اللَّهُ نُصْرَتَهُ، أَمَّرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْقَادِرَ بِاللَّهِ وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ فِي أَعْمَالِهِ الَّتِي اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهَا مِنْ خُرَسَانَ وَغَيْرِهَا فِي قَتْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ وِالْإِسْمَاعِلِيَّةِ وَالْقَرَامِطَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْمُشَبِّهَةِ وَصَلْبِهِمْ وَحَبْسِهِمْ وَنفْيِهِمْ وَالْأَمْرِ بِاللَّعْنِ عَلَيْهِمْ عَلَى مَنَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وِإِبْعَادِ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَطَرْدِهِمْ عَنْ دِيَارِهِمْ، وَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً فِي الْإِسْلَامِ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فِي الْآفَاقِ، وَجَرَى ذَلِكَ عَلَى يَدَيِ الْحَاجِبِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي جَمَادِ الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، تَمَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ ⦗٨٠٠⦘ وَثَبَّتَهُ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute