٢٣٧٢ - ذَكَرَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ، قَالَ: نا أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي الطَّيِّبِ يَقُولُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرٌ الصَّايِغُ، وَأَشَارَ إِلَى ⦗١٣٣٣⦘ أُسْطُوَانَةِ الْجَامِعِ , يَعْنِي بِمَدِينَةِ الْمَنْصُورِ، يَقُولُ: عِنْدَ تِلْكَ الْأُسْطُوَانَةِ، قَالَ: " إِنَّهُ كَانَ فِي جِيرَانِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَجُلٌ، وَكَانَ مِمَّنْ يُمَارِسُ الْمَعَاصِيَ وَالْقَاذُورَاتِ، فَجَاءَ يَوْمًا مَجْلِسَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَكَأَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَدًّا تَامًّا، وَانْقَبَضَ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لِمَ تَنْقَبِضُ مِنِّي؟ إِنِّي قَدِ انْتَقَلْتُ عَمَّا كُنْتَ تَعْهَدُهُ مِنِّي بِرُؤْيَا رَأَيْتُهَا. قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ رَأَيْتَ تَقَدَّمَ؟ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ كَأَنَّهُ عَلَى عُلُوٍّ مِنَ الْأَرْضِ، وَنَاسٌ كَثِيرٌ أَسْفَلَ جُلُوسٌ، قَالَ: فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَيْهِ، فَيَقُولُونَ: ادْعُ لَنَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنَ الْقَوْمِ غَيْرِي، قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ قُبْحِ مَا كُنْتُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ لِي: يَا فُلَانُ، لِمَ لَا تَقُومُ وَتَسْأَلُنِي أَدْعُو لَكَ؟ فَكَأَنِّي قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَقْطَعُنِي الْحَيَاءُ مِنْ قُبْحِ مَا أَنَا عَلَيْهِ، قَالَ: إِنْ كَانَ يَقْطَعُكَ الْحَيَاءُ فَقُمْ فَسَلْنِي أَدْعُو لَكَ، إِنَّكَ لَا تَسُبُّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي، قَالَ: فَقُمْتُ فَدَعَا لِي، قَالَ: فَانْتَبَهْتُ، وَقَدْ بَغَّضَ اللَّهُ إِلَيَّ مَا كُنْتُ عَلَيْهِ "، قَالَ: فَقَالَ لَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: يَا جَعْفَرُ، يَا فُلَانُ، يَا فُلَانُ حَدِّثُوا بِهَذَا، وَاحْفَظُوا فَإِنَّهُ يَنْفَعُ "
٢٣٧٣ - حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَيَّاطُ، شَيْخٌ صَالِحٌ كَانَ فِي جِوَارِنَا، وَكَانَ يَسْكُنُ فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، فَانْتَقَلَ إِلَى الْغَرْبِيِّ، وَكَانَ فِي خِدْمَةِ شَاشُنَيْكِيرَ الْحَاجِبِ، قَالَ: كَانَ فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ فِي وَقْتٍ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ بُوَيْهِ رَجُلٌ دَيْلَمِيٌّ مِنْ قُوَّادِهِ يُسَمَّى جَبْنَه مَشْهُورٌ، وَجْهٌ مِنْ وُجُوهِ عَسْكَرِهِ، وَيَذْكُرُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحَاضِرِينَ لِهَذِهِ الْحِكَايَةِ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مَشْهُورًا لَهُ مَالٌ وَنَجْدَةٌ وَجَمَالٌ، قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ وَاقِفٌ يَوْمًا فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ بِبَغْدَادَ، وَقَدْ أَخَذَ النَّاسُ فِي الْخُرُوجِ إِلَى مَكَّةَ إِذْ عَبَرَ بِهِ رَجُلٌ يُعْرَفُ بِعَلِيٍّ الدَّقَّاقِ الْمَعَافِرِيِّ، قَالَ يُوسُفُ: هُوَ حَدَّثَنِي بِهَذِهِ الْقِصَّةِ، وَشَرَحَهَا إِذْ هُوَ صَاحِبُهَا، وَالْمُبْتَلَى بِهَا , وَكُنْتُ أَسْمَعُ غَيْرَهُ مِنَ النَّاسِ يَذْكُرُونَهَا لِشُهْرَتِهَا، إِلَّا إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ ⦗١٣٣٤⦘: عَبَرْتُ عَلَى جَبْنَةَ، فَقَالَ لِي: يَا عَلِيُّ هُوَ ذَا تَحُجُّ هَذِهِ السَّنَةَ؟ قُلْتُ: لَمْ تَتَّفِقْ لِي حَجَّةٌ إِلَّا الْآنَ، وَأَنَا فِي طَلَبِهَا، فَقَالَ لِي جَوَابًا عَنْ كَلَامِي: أَنَا أُعْطِيكَ حَجَّةً. فَقُلْتُ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِحَّ فِي نَفْسِي كَلَامُهُ: هَاتِهَا، فَقَالَ: يَا غُلَامُ مُرَّ إِلَى عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيِّ وَقُلْ لَهُ يَزِنْ لَكَ عِشْرِينَ دِينَارًا، فَمَرَرْتُ مَعَ غُلَامِهِ فَوَزَنَ لِي عُثْمَانُ عِشْرِينَ دِينَارًا وَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِي: أَصْلِحْ أُمُورَكَ، فَإِذَا عَزَمْتَ عَلَى الرَّحِيلِ فَأَرِنِي وَجْهَكَ لِأُوصِيَكَ بِوَصِيَّةٍ، فَانْصَرَفْتُ عَنْهُ، وَهَيَّأْتُ أُمُورِي، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لِي أَوَّلًا: قَدْ وَهَبْتُ هَذِهِ الْحَجَّةَ لَكَ، وَلَا حَاجَةَ لِي فِيهَا، وَلَكِنْ أُحَمِّلُكَ رِسَالَةً إِلَى مُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ: مَا هِيَ؟ قَالَ: قُلْ لَهُ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ صَاحِبَيْكَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ اللَّذَيْنِ هُمَا مَعَكَ، ثُمَّ حَلَّفَنِي بِالطَّلَاقِ إِنَّكَ لَتَقَولَنَّهَا، وَتُبَلِّغَنَّ هَذِهِ الرِّسَالَةَ إِلَيْهِ , فَوَرَدَ عَلَيَّ مَوْرِدٌ عَظِيمٌ، وَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ مَهْمُومًا حَزِينًا، وَحَجَجْتُ، وَدَخَلْتُ الْمَدِينَةَ، وَزُرْتُ قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصِرْتُ مُتَرَدِّدًا فِي الرِّسَالَةِ، أُبَلِّغُهَا أَمْ لَا؟ وَفَكَّرْتُ فِي أَنِّي إِنْ لَمْ أُبَلِّغْهَا طُلِّقَتِ امْرَأَتِي، وَإِنْ بَلَّغْتُهَا عَظُمَتْ عَلَيَّ مِمَّا أُوَاجِهُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْقَوْلِ، وَقُلْتُ: إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا , وَأَدَّيتُ الرِّسَالَةَ بِعَيْنِهَا، وَاغْتَمَمْتُ غَمًّا شَدِيدًا، وَتَنَحَّيْتُ نَاحِيَةً، فَغَلَبَتْنِي عَيْنَايَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ الرِّسَالَةَ الَّتِي أَدَّيْتَهَا، فَإِذَا رَجَعْتَ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَكَ: أَبْشِرْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ قُدُومِكَ بَغْدَادَ بِنَارِ جَهَنَّمَ. وَقُمْتُ وَخَرَجْتُ، وَرَجَعْتُ إِلَى بَغْدَادَ، فَلَمَّا عَبَرْتُ إِلَى الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، فَكَّرْتُ وَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا رَجُلُ سَوْءٍ، بَلَّغْتُ رِسَالَتَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُبَلِّغُ رِسَالَتَهُ إِلَيْهِ، وَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ أُخْبِرَهُ بِهَا حَتَّى يَأْمُرَ بِقَتْلِي أَوْ يَقْتُلَنِي بِيَدِهِ، وَأَخَذْتُ أُقَدِّمُ وَأُؤَخِّرُ، فَقُلْتُ ⦗١٣٣٥⦘: لَأَقُولَنَّهَا لَوْ كَانَ فِيهَا قَتْلِي، وَلَا أَكْتُمُ رِسَالَتَهُ، وَأُخَالِفُ أَمْرَهُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى أَهْلِي، فَمَا هُوَ أَنْ وَقَعَ عَيْنُهُ عَلَيَّ، فَقَالَ لِي: يَا دَقَّاقُ مَا عَمِلْتَ فِي الرِّسَالَةِ؟ قُلْتُ: أَدَّيْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ قَدْ حَمَّلَنِي جَوَابَهَا، قَالَ: مَا هِيَ؟ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ رُؤْيَايَ، فَنَظَرَ إِلَيَّ، وَقَالَ: إِنَّ قَتْلَ مِثْلِكَ عَلَيَّ هَيِّنٌ، وَسَبَّ وَشَتَمَ، وَكَانَ بِيَدِهِ زَوْبَيْنُ يَهُزُّهُ، فَهَزَّهُ فِي وَجْهِي، وَلَكِنْ لَأَتْرُكَنَّكَ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي ذَكَرْتَهُ بِهَذَا الزَّوْبَيْنِ، وَأَشَارَ إِلَى الزَّوْبَيْنِ، وَلَامَنِي الْحَاضِرُونَ، وَقَالَ لِغُلَامِهِ: احْبِسْهُ فِي الْإِسْطَبْلِ وَقَيِّدْهُ. فَحُبِسْتُ وَقُيِّدْتُ، وَجَاءَنِي أَهْلِي وَبَكَوْا عَلَيَّ وَرَثَوْا لِي وَلَامُونِي، فَقُلْتُ: قُضِيَ الَّذِي كَانَ، وَلَا مَوْتَ إِلَّا بِأَجَلٍ، وَلَمْ تَزَلْ تَمُرُّ بِيَ الْأَيَّامُ، وَالنَّاسُ يَتَفَقَّدُونَنِي، وَيَرْحَمُونَنِي فِيمَا أَنَا فِيهِ، حَتَّى مَضَتْ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ، وَاتَّخَذَ الدَّيْلَمِيُّ دَعْوَةً عَظِيمَةً أحْضَرَ فِيهَا عَامَّةَ وُجُوهِ قُوَّادِ الْعَسْكَرِ، وَجَلَسَ مَعَهُمْ لِلشُّرْبِ، فَلَمَّا كَانَ نِصْفُ اللَّيْلِ جَاءَنِي السَّايِسُ، فَقَالَ: يَا دَقَّاقُ، الْقَائِدُ أَخَذَتْهُ حُمَّى عَظِيمَةٌ، وَقَدْ تَدَثَّرَ بِجَمِيعِ مَا فِي الدَّارِ وَوَقَعَ عَلَيْهِ الْغِلْمَانُ فَوْقَ الثِّيَابِ، وَهُوَ يَنْتَفِضُ فِي الثِّيَابِ نَفْضًا عَظِيمًا، وَكَانَ عَلَى حَالَتِهِ الْيَوْمَ الثَّامِنَ وَالْعِشْرِينَ، وَأَتَى لَيْلَةُ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ، وَدَخَلَ السَّايِسُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَقَالَ: يَا دَقَّاقُ مَاتَ الْقَائِدُ، وَحَلَّ عَنِّي الْقَيْدَ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا اجْتَمَعَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَجَلَسَ الْقُوَّادُ لِلْعَزَاءِ، وَأُخْرِجْتُ أَنَا، وَكَانَتْ قِصَّتِي مَشْهُورَةً، وَاسْتَعَادُونِي فَقَصَصْتُ عَلَيْهِمْ، وَرَجَعَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ عَنْ مَذَاهِبِهِمُ الرَّدِيَّةِ، وَخُلِّيتُ أَنَا "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute