فِي زَمَنِ أَبِيهِمْ وَبَلَغُوا فِي قُوَّتِهِمْ شَرَفًا كَبِيرًا، فَأَحَبَّ قُصَيٌّ أَنْ يُلْحِقَ بِهِمْ عَبْدَ الدَّار فِي السؤدد فخصه بِذَلِكَ، فَكَانَ إِخْوَتُهُ لَا يُنَازِعُونَهُ فِي ذَلِكَ.
فَلَمَّا انْقَرَضُوا تَشَاجَرَ ابْنَاؤُهُمْ فِي ذَلِكَ وَقَالُوا إِنَّمَا خص قُصَيٌّ عَبْدَ الدَّارِ بِذَلِكَ لِيُلْحِقَهُ بِإِخْوَتِهِ، فَنَحْنُ نَسْتَحِقُّ مَا كَانَ آبَاؤُنَا يَسْتَحِقُّونَهُ.
وَقَالَ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ: هَذَا أَمْرٌ جَعَلَهُ لَنَا قُصَيٌّ، فَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ.
وَاخْتَلَفُوا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَانْقَسَمَتْ بطُون قُرَيْش فرْقَتَيْن، ففرقة بَايَعت عَبْدِ الدَّارِ وَحَالَفَتْهُمْ، وَفِرْقَةٌ بَايَعَتْ بَنِي عَبْدِ منَاف وحالفوهم عَلَى ذَلِكَ، وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عِنْدَ الْحِلْفِ فِي جَفْنَةٍ فِيهَا طِيبٌ، ثُمَّ لَمَّا قَامُوا مَسَحُوا أَيْدِيَهُمْ بِأَرْكَانِ الْكَعْبَةِ فَسُمُّوا حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ.
وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَبَنُو زُهْرَةَ، وَبَنُو تَيْمٍ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، وَكَانَ مَعَ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بَنُو مَخْزُومٍ، وَبَنُو سَهْمٍ، وَبَنُو جُمَحَ، وَبَنُو عَدِيٍّ.
وَاعْتَزَلَتْ بَنُو عَامِرِ ابْن لُؤَيٍّ وَمُحَارِبُ بْنُ فِهْرٍ الْجَمِيعَ، فَلَمْ يَكُونُوا مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
ثُمَّ اصْطَلَحُوا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ تَكُونَ الرِّفَادَةُ وَالسِّقَايَةُ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَأَنْ تَسْتَقِرَّ الْحِجَابَةُ وَاللِّوَاءُ وَالنَّدْوَةُ فِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَانْبَرَمَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَمَرَّ.
وَحكى الاموى عَن الاشرم، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: وَزَعَمَ قَوْمٌ مِنْ خُزَاعَة أَن قصيا لما تزوح حى بِنْتَ حُلَيْلٍ وَثَقُلَ حُلَيْلٌ عَنْ وِلَايَةِ الْبَيْتِ جَعَلَهَا إِلَى ابْنَتِهِ حُبَّى وَاسْتَنَابَ عَنْهَا أَبَا غبشان سليم بن عَمْرو بن لؤى ابْن ملكان بن قصى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، فَاشْتَرَى قُصَيُّ وِلَايَةَ الْبَيْتِ مِنْهُ بِزِقِّ خَمْرٍ وَقَعُودٍ، فَكَانَ يُقَالَ: " أَخْسَرُ مِنْ صَفْقَةِ أَبِي غُبْشَانَ ".
وَلَمَّا رَأَتْ خُزَاعَةُ ذَلِكَ اشْتَدُّوا عَلَى قُصَيٍّ، فَاسْتَنْصَرَ أَخَاهُ فَقَدِمَ بِمَنْ مَعَهُ، وَكَانَ مَا كَانَ.
ثُمَّ فَوَّضَ قُصَيٌّ هَذِهِ الْجِهَاتِ الَّتِي كَانَتْ إِلَيْهِ مِنَ السِّدَانَةِ وَالْحِجَابَةِ وَاللِّوَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute