دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَحَمَلَهُمْ عَلَى شَرِيعَةِ الْإِنْجِيلِ حَتَّى حَدَثَتْ فِيهِمُ الْأَحْدَاثُ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَى أَهْلِ دِينِهِمْ بِكُلِّ أَرْضٍ.
فَمِنْ هُنَالِكَ كَانَتِ النَّصْرَانِيَّةُ بِنَجْرَانَ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ.
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ قِصَّةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الثَّامِرِ حِينَ تَنَصَّرُ عَلَى يَدَيْ فَيْمَيُونَ، وَكَيْفَ قَتَلَهُ وَأَصْحَابَهُ ذُو نواس وخدلهم الاخدود.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهُوَ الْحَفْرُ الْمُسْتَطِيلُ فِي الْأَرْضِ مِثْلُ الْخَنْدَقِ.
وَأَجَّجَ فِيهِ النَّارَ وَحَرَّقَهُمْ بِهَا، وَقَتَلَ آخَرِينَ حَتَّى قَتَلَ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ ألفا.
كَمَا هُوَ مُسْتَقْصًى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البروج) مِنْ كِتَابِنَا التَّفْسِيرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
ذِكْرُ خُرُوجِ الْمُلْكِ بِالْيَمَنِ مِنْ حِمْيَرَ وَصَيْرُورَتِهِ إِلَى الْحَبَشَةِ السُّودَانِ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ شِقٌّ وَسَطِيحٌ الْكَاهِنَانِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَنْجُ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ يُقَالَ لَهُ دَوْسٌ ذُو ثُعْلُبَانِ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَسَلَكَ الرَّمْلَ فَأَعْجَزَهُمْ، فَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ حَتَّى أَتَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، فَاسْتَنْصَرَهُ عَلَى ذِي نُوَاسٍ وَجُنُودِهِ، وَأَخْبَرَهُ بِمَا بَلَغَ مِنْهُمْ،
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ نَصْرَانِيٌّ عَلَى دِينِهِمْ.
فَقَالَ لَهُ بَعُدَتْ بِلَادُكَ مِنَّا، وَلَكِنْ سَأَكْتُبُ لَكَ إِلَى مَلِكِ الْحَبَشَةِ، فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا الدِّينِ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى بِلَادِكَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِنَصْرِهِ وَالطَّلَبِ بِثَأْرِهِ.
فَقَدِمَ دَوْسٌ عَلَى النَّجَاشِيِّ بِكِتَابِ قَيْصَرَ، فَبَعَثَ مَعَهُ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْحَبَشَةِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالَ لَهُ أَرْيَاطُ، وَمَعَهُ فِي جُنْدِهِ أَبْرَهَةُ الْأَشْرَمُ، فَرَكِبَ أَرْيَاطُ الْبَحْرَ حَتَّى نَزَلَ بِسَاحِلِ الْيَمَنِ وَمَعَهُ دَوْسٌ، وَسَارَ إِلَيْهِ ذُو نُوَاسٍ فِي حِمْيَرَ وَمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قبائل الْيمن.