وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ كَانُوا بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَلَمَّا قَدِمُوا
أَنْزَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ الْمَسْجِدَ لِيَسْمَعُوا الْقُرْآنَ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الرِّبَا وَالزِّنَا وَالْخَمْرِ، فَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ كُلَّهُ.
فَسَأَلُوهُ عَنِ الرَّبَّةِ مَا هُوَ صَانِعٌ بِهَا؟ قَالَ: " اهْدِمُوهَا ".
قَالُوا: هَيْهَاتَ! لَوْ تَعْلَمُ الرَّبَّةُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَهْدِمَهَا قَتَلَتْ أَهْلَهَا.
فَقَالَ عمر بن الْخطاب: وَيحك يَابْنَ عَبْدِ يَالِيلَ مَا أَجْهَلَكَ! إِنَّمَا الرَّبَّةُ حَجَرٌ.
فَقَالُوا: إِنَّا لم نأتك يَابْنَ الْخَطَّابِ.
ثُمَّ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَوَلَّ أَنْتَ هَدْمَهَا، أَمَّا نَحْنُ فَإِنَّا لَنْ نَهْدِمَهَا أَبَدًا.
فَقَالَ: " سَأَبْعَثُ إِلَيْكُمْ مَنْ يَكْفِيكُمْ هَدْمَهَا ".
فَكَاتَبُوهُ عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتَأْذَنُوهُ أَنْ يَسْبِقُوا رُسُلَهُ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا جَاءُوا قَوْمَهُمْ تَلَقَّوْهُمْ فَسَأَلُوهُمْ: مَا وَرَاءَكُمْ؟ فَأَظْهَرُوا الْحُزْنَ وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا جَاءُوا مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ فَظٍّ غَلِيظٍ قَدْ ظَهَرَ بِالسَّيْفِ، يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَقَدْ دَوَّخَ الْعَرَبَ، قَدْ حَرَّمَ الرِّبَا وَالزِّنَا وَالْخَمْرَ، وَأَمَرَ بِهَدْمِ الرَّبَّةِ.
فَنَفَرَتْ ثَقِيفٌ وَقَالُوا: لَا نُطِيعُ لِهَذَا أَبَدًا.
قَالَ: فتأهبوا لِلْقِتَالِ وَأَعِدُّوا السِّلَاحَ، فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ يَوْمَيْنِ - أَوْ ثَلَاثَةً - ثُمَّ أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَرَجَعُوا وَأَنَابُوا وَقَالُوا: ارْجِعُوا إِلَيْهِ فَشَارِطُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَصَالِحُوهُ عَلَيْهِ.
قَالُوا: فَإِنَّا قَدْ فَعَلْنَا ذَلِكَ وَوَجَدْنَاهُ أَتْقَى النَّاسِ وَأَوْفَاهُمْ وَأَرْحَمَهُمْ وَأَصْدَقَهُمْ، وَقَدْ بُورِكَ لَنَا وَلَكُمْ فِي مَسِيرِنَا إِلَيْهِ وَفِيمَا قَاضَيْنَاهُ عَلَيْهِ، فَافْهَمُوا مَا فِي الْقَضِيَّةِ وَاقْبَلُوا عَافِيَةَ اللَّهِ.
قَالُوا: فَلِمَ كَتَمْتُمُونَا هَذَا أَوَّلًا؟ قَالُوا: أَرَدْنَا أَنْ يَنْزِعَ اللَّهُ مِنْ قُلُوبِكُمْ نَخْوَةَ الشَّيْطَانِ.
فَأَسْلَمُوا مَكَانَهُمْ.