للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذْ كَبَتْ بِبِشْرٍ نَاقَتُهُ، فَتَعِسَ بِشْرٌ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُكَنِّي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَقَالَ لَهُ الْأُسْقُفُّ عِنْدَ ذَلِكَ: قَدْ وَاللَّهِ تَعَّسْتَ نَبِيًّا مُرْسَلًا.

فَقَالَ لَهُ بِشْرٌ: لَا جَرَمَ، وَاللَّهِ لَا أَحُلُّ عَنْهَا عَقْدًا حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: وَصرف وَجْهَ نَاقَتِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ، وَثَنَى الْأُسْقُفُّ نَاقَتَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: افهم عَنى، إِنَّمَا قُلْتُ هَذَا لِيَبْلُغَ (١) عَنِّي الْعَرَبَ مَخَافَةَ أَنْ يَرَوْا أَنَّا أَخَذْنَا حَقَّهُ أَوْ رَضِينَا بِصَوْتِهِ أَو نخعنا (٢) لهَذَا الرجل بِمَا لم تنخع بِهِ الْعَرَبُ، وَنَحْنُ أَعَزُّهُمْ وَأَجْمَعُهُمْ دَارًا، فَقَالَ لَهُ بِشْرٌ: لَا وَاللَّهِ لَا أَقْبَلُ مَا خَرَجَ مِنْ رَأْسِكَ أَبَدًا.

فَضَرَبَ بِشْرٌ نَاقَتَهُ وَهُوَ مولى الْأُسْقُفَّ ظَهرَهُ، وَارْتَجَزَ يَقُولُ: إِلَيْكَ تَغْدُو قِلْقًا وَضِينُهَا (٣) * مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا مُخَالِفًا دِينَ النَّصَارَى دِينُهَا حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ وَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ حَتَّى قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ.

* * * قَالَ: وَدَخَلَ الْوَفْدُ نَجْرَان، فَأتى الراهب ابْن أَبِي شِمْرٍ الزُّبَيْدِيَّ وَهُوَ فِي رَأْسِ صَوْمَعَتِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ نَبِيًّا بُعِثَ بِتِهَامَةَ.

فَذَكَرَ مَا كَانَ مِنْ وَفْدِ نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ عَرَضَ عَلَيْهِمُ الْمُلَاعَنَةَ فَأَبَوْا، وَأَنَّ بِشْرَ بْنَ مُعَاوِيَةَ دَفَعَ إِلَيْهِ فَأَسْلَمَ.

فَقَالَ الرَّاهِبُ: أَنْزِلُونِي وَإِلَّا أَلْقَيْتُ نَفْسِي مِنْ هَذِهِ الصَّوْمَعَةِ.

قَالَ: فَأَنْزَلُوهُ فَأخذ


(١) ا: فَبلغ.
(٢) نخعنا: أقررنا.
(٣) الْوَضِين: بطان عريض منسوج من سيور أَو شعر.
وقلق الْوَضِين: كِنَايَة عَن الهزال.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>