للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ، وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ السُّنْحِ عَلَى دَابَّتِهِ حَتَّى نَزَلَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ، وَأَقْبَلَ مَكْرُوبًا حَزِينًا، فَاسْتَأْذَنَ فِي بَيْتِ ابْنَتِهِ عَائِشَةَ فَأَذِنَتْ لَهُ، فَدَخَلَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تُوُفِّيَ عَلَى الْفِرَاشِ وَالنِّسْوَةُ حَوْلَهُ فَخَمَّرْنَ وُجُوهَهُنَّ وَاسْتَتَرْنَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَائِشَةَ، فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَثَا عَلَيْهِ يُقَبِّلُهُ وَيَبْكِي وَيَقُولُ: لَيْسَ مَا يَقُولُهُ ابْن الْخطاب شَيْئا، توفى رَسُول الله والذى نَفسِي بِيَدِهِ! رَحْمَة الله عَلَيْك يارسول اللَّهِ، مَا أَطْيَبَكَ حَيًّا وَمَيِّتًا! ثُمَّ غَشَّاهُ بِالثَّوْبِ.

ثُمَّ خَرَجَ سَرِيعًا إِلَى الْمَسْجِدِ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ حَتَّى أَتَى الْمِنْبَرَ، وَجَلَسَ عُمَرُ حِينَ رَأَى أَبَا بَكْرٍ مُقْبِلًا إِلَيْهِ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى جَانِبِ الْمِنْبَرِ وَنَادَى النَّاسَ، فَجَلَسُوا وَأَنْصَتُوا، فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ بِمَا عَلِمَهُ من التَّشَهُّد، وَقَالَ، إِن الله عزوجل نَعَى نَبِيَّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَنَعَاكُمْ إِلَى أَنْفُسِكُمْ، وَهُوَ الْمَوْتُ حَتَّى لَا يبْقى مِنْكُم أحد إِلَّا الله عزوجل، قَالَ تَعَالَى، " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ " الْآيَةَ.

فَقَالَ عُمَرُ: هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْقُرْآنِ؟ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ قَبْلَ الْيَوْمِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ ميتون (١) " وَقَالَ الله تَعَالَى: " كل شئ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢) "، وَقَالَ: " كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجلَال والاكرام (٣) " وَقَالَ: " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْم الْقِيَامَة (٤) ".

وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَمَّرَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْقَاهُ حَتَّى أَقَامَ دِينَ اللَّهِ وَأَظْهَرَ أَمْرَ اللَّهِ وَبَلَّغَ رِسَالَةَ اللَّهِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ تَرَكَكُمْ عَلَى الطَّرِيقَةِ، فَلَنْ يَهْلِكَ هَالِكٌ إِلَّا من بعد الْبَيِّنَة والشقاء، فَمَنْ كَانَ اللَّهُ رَبَّهُ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوت،


(١) سُورَة الزمر ٣٠ (٢) سُورَة الْقَصَص ٨٨ (٣) سُورَة الرَّحْمَن ٢٦، ٢٧ (٥) سُورَة آل عمرَان ١٤٤ (*)

<<  <  ج: ص:  >  >>