قَالَ: " والنبى لَا يُورَثُ " وَهَذَا اسْمُ جِنْسٍ يَعُمُّ كُلَّ الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " نَحن معشر الانبياء لَا نورث ".
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خُصَّ مِنْ بَيْنِ الْأَنْبِيَاءِ، بِأَحْكَامٍ لَا يُشَارِكُونَهُ فِيهَا، كَمَا سَنَعْقِدُ لَهُ بَابًا مُفْرَدًا فِي آخِرِ السِّيرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يُورَثُونَ - وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ - لَكَانَ مَا رَوَاهُ مَنْ ذكرنَا مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ مِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ ; أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ مُبَيِّنًا لِتَخْصِيصِهِ بِهَذَا الحكم دون مَا سواهُ.
وَالثَّالِث: أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْحُكْمُ بِمُقْتَضَاهُ كَمَا حَكَمَ بِهِ الْخُلَفَاءُ، وَاعْتَرَفَ بِصِحَّتِهِ الْعُلَمَاءُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ أَمْ لَا.
فَإِنَّهُ قَالَ: " لَا نورث
مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ.
إِذْ يَحْتَمِلُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ أَنْ يكون قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ " أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ حُكْمِهِ أَوْ حُكْمِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ مَعَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِنْشَاءَ وَصِيَّةٍ كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا نُورَثُ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ، وَيَكُونُ تَخْصِيصُهُ مِنْ حَيْثُ جَوَازُ جَعْلِهِ مَالَهُ كُلَّهُ صَدَقَةً.
وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَهُوَ الَّذِي سَلَكَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَدْ يَقْوَى الْمَعْنَى الثَّانِي بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا تقتسم وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ ".
وَهَذَا اللَّفْظُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ يَرَدُّ تَحْرِيفَ مَنْ قَالَ مِنَ الْجَهَلَةِ مِنْ طَائِفَةِ الشِّيعَةِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ: مَا تَرَكْنَا صَدَقَةً بِالنَّصْبِ، جَعَلَ مَا نَافِيَةً، فَكَيْفَ يَصْنَعُ بِأَوَّلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute