بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ: " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذر " وَلَكِنْ نَزَلَتْ سُورَةُ " وَالضُّحَى " بَعْدَ فَتْرَةٍ أُخْرَى كَانَتْ لَيَالِيَ يَسِيرَةً.
كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ.
قَالَ: اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا تَرَكَكَ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ " وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبك وَمَا قلى ".
وَبِهَذَا الْأَمْرِ حَصَلَ الْإِرْسَالُ إِلَى النَّاسِ وَبِالْأَوَّلِ حَصَلَتِ النُّبُوَّةُ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ مُدَّةُ الفترة قَرِيبا من سنتَيْن، أَو سنتَيْن وَنصفا.
وَالظَّاهِرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهَا الْمُدَّةُ الَّتِي اقْتَرَنَ مَعَهُ مِيكَائِيلُ.
كَمَا قَالَ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَلَا يَنْفِي هَذَا تَقَدُّمَ إِيحَاءِ جِبْرِيلَ إِلَيْهِ أَوَّلًا " اقْرَأ باسم رَبك الذى خلق ".
ثُمَّ اقْتَرَنَ بِهِ جِبْرِيلُ بَعْدَ نُزُولِ " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فطهر وَالرجز فاهجر ".
ثُمَّ حَمِيَ الْوَحْيُ بَعْدَ هَذَا وَتَتَابَعَ، أَيْ تدارك شَيْئا بعد شئ.
وَقَامَ حِينَئِذٍ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّسَالَةِ أَتَمَّ الْقِيَامَ، وَشَمَّرَ عَنْ سَاقِ الْعَزْمِ، وَدَعَا إِلَى اللَّهِ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ، وَالْأَحْرَارَ وَالْعَبِيدَ، فَآمَنَ بِهِ حِينَئِذٍ كُلُّ لَبِيبٍ نَجِيبٍ سَعِيدٍ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى مُخَالَفَتِهِ وَعِصْيَانِهِ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ.
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَادَرَ إِلَى التَّصْدِيقِ مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ.
وَمِنَ الْغِلْمَانِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
وَمِنَ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ زَوْجَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.