للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا ذِي مَالٍ وَذِي هَيْئَةٍ، فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا، فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ خَلَفَكَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ.

فَجَاءَ خَالُنَا فنثى مَا قِيلَ لَهُ (١) فَقُلْتُ لَهُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، وَلَا جِمَاعَ لَنَا فِيمَا بَعْدُ.

قَالَ: فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا (٢) فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا، وتغطى خَالنَا بِثَوْبِهِ وَجَعَلَ يَبْكِي.

قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا حَضْرَةَ مَكَّة، قَالَ فنافر أنيس عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الْكَاهِنَ فَخَيَّرَ أُنَيْسًا.

فَأَتَانَا بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا.

وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا بْنَ أَخِي، قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ سِنِينَ.

قَالَ: قُلْتُ لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ.

قُلْتُ: فَأَيْنَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: حَيْثُ وَجَّهَنِيَ اللَّهُ.

قَالَ: وَأُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذا كَانَ من آخر اللَّيْل ألفيت كَأَنِّي خِفَاءٌ (٣) حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ.

قَالَ: فَقَالَ أنيس: إِن لى حَاجَة بِمَكَّة فألقنى حَتَّى آتِيَكَ.

قَالَ: فَانْطَلَقَ فَرَاثَ (٤) عَلَيَّ، ثُمَّ أَتَانِي فَقُلْتُ: مَا حَبَسَكَ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ عَلَى دِينِكَ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا يَقُولُ النَّاسُ لَهُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ إِنَّهُ شَاعِرٌ وَسَاحِرٌ.

وَكَانَ أُنَيْسٌ شَاعِرًا.

قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ الْكُهَّانَ فَمَا يَقُولُ بِقَوْلِهِمْ، وَقد وضعت قَوْله على إقراء الشّعْر فو الله مَا يَلْتَئِمُ لِسَانَ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ، وَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ.

قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ أَنْتَ كَافِيَّ حَتَّى أَنْطَلِقَ؟ قَالَ: نَعَمْ! وَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَذَرٍ، فَإِنَّهُمْ قد شنعوا لَهُ وتجهموا لَهُ.


(١) نثى مَا قيل لَهُ: أظهره وَحدث بِهِ.
(٢) الصرمة: الْقطعَة من الابل مَا بَين الْعشْرين إِلَى الثَّلَاثِينَ (٣) الخفاء: الكساء.
(٤) راث: أَبْطَأَ.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>