للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُنْتُ لِلْإِسْلَامِ مُبَاعِدًا، وَكُنْتُ صَاحِبَ خَمْرٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أُحِبُّهَا وَأَشْرَبُهَا، وَكَانَ لَنَا مَجْلِسٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ بِالْحَزْوَرَةِ (١) فَخَرَجْتُ لَيْلَةً أُرِيدُ جُلَسَائِي أُولَئِكَ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَقُلْتُ: لَوْ أَنِّي جِئْتُ فُلَانًا الْخَمَّارَ لَعَلِّي أَجِدُ عِنْدَهُ خَمْرًا فَأَشْرَبَ مِنْهَا.

فَخَرَجْتُ فَجِئْتُهُ فَلَمْ أَجِدْهُ.

قَالَ: فَقُلْتُ: لَوْ أَنِّي جِئْتُ الْكَعْبَةَ فَطُفْتُ سَبْعًا أَوْ سَبْعَيْنِ.

قَالَ: فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي، وَكَانَ إِذَا صَلَّى اسْتَقْبَلَ الشَّامَ وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّامِ، وَكَانَ مُصَلَّاهُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ

الْأَسْوَدِ وَالْيَمَانِيِّ.

قَالَ: فَقُلْتُ حِينَ رَأَيْتُهُ: وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي اسْتَمَعْتُ لِمُحَمَّدٍ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَسْمَعَ مَا يَقُولُ.

فَقُلْتُ: لَئِن دَنَوْت مِنْهُ لاستمع مِنْهُ لَأُرَوِّعَنَّهُ، فَجِئْتُ مِنْ قِبَلِ الْحِجْرِ، فَدَخَلْتُ تَحْتَ ثِيَابِهَا فَجَعَلْتُ أَمْشِي رُوَيْدًا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، حَتَّى قُمْتُ فِي قِبْلَتِهِ مُسْتَقْبِلَهُ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا ثِيَابُ الْكَعْبَةِ.

قَالَ: فَلَمَّا سَمِعْتُ الْقُرْآنَ رَقَّ لَهُ قَلْبِي وَبَكَيْتُ وَدَخَلَنِي الْإِسْلَامُ.

فَلَمْ أَزَلْ فِي مَكَانِي قَائِمًا حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ خَرَجَ عَلَى دَارِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، وَكَانَ مَسْكَنُهُ فِي الدَّارِ الرَّقْطَاءِ الَّتِي كَانَتْ بِيَدِ مُعَاوِيَةَ.

قَالَ عُمَرُ: فَتَبِعْتُهُ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ بَيْنَ دَارِ عَبَّاسٍ وَدَارِ ابْنِ أَزْهَرَ أَدْرَكْتُهُ، فَلَمَّا سمع


(١) الْحَزْوَرَة: كَانَت سوق مَكَّة، ثمَّ دخلت الْمَسْجِد لما زيد فِيهِ.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>