للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَعِنْدَمَا تَقَابَلَ الْفَرِيقَانِ قَلَّلَ اللَّهُ كُلًّا مِنْهُمَا فِي أَعْيُنِ الْآخَرِينَ لِيَجْتَرِئَ هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ، لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ.

وَلَيْسَ هَذَا مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: " قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا، فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ، وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ ".

فَإِنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ: أَنَّ الْفِرْقَةَ الْكَافِرَةَ تَرَى الْفِرْقَةَ الْمُؤْمِنَةَ مِثْلَيْ عَدَدِ الْكَافِرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ أَيْضًا، وَذَلِكَ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ وَالْمُسَايَفَةِ (١) أَوْقَعَ اللَّهُ الْوَهَنَ وَالرُّعْبَ فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا، فَاسْتَدْرَجَهُمْ أَوَّلًا، بِأَنْ أَرَاهُمْ إِيَّاهُمْ عِنْدَ الْمُوَاجَهَةِ قَلِيلًا، ثُمَّ أَيَّدَ الْمُؤْمِنِينَ بِنَصْرِهِ، فَجَعَلَهُمْ فِي أَعْيُنِ الْكَافِرِينَ عَلَى الضِّعْفِ مِنْهُمْ حَتَّى وَهَنُوا وَضَعُفُوا وَغُلِبُوا.

وَلِهَذَا قَالَ: " وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ، إِنَّ فِي ذَلِك لعبرة لاولى الابصار ".

قَالَ إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عبيد وَعبد اللَّهِ، لَقَدْ قُلِّلُوا فِي أَعْيُنِنَا يَوْمَ بَدْرٍ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنْبِي: أَتَرَاهُمْ سَبْعِينَ؟ فَقَالَ: أَرَاهُمْ مِائَةً!

* * * قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالُوا: لَمَّا اطْمَأَنَّ الْقَوْمُ بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيَّ فَقَالُوا احْزُرْ لَنَا الْقَوْمَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ.

قَالَ: فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ يَزِيدُونَ قَلِيلًا أَوْ يَنْقُصُونَ، وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي حَتَّى أَنْظُرَ: أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ.

قَالَ: فَضَرَبَ فِي الْوَادِي حَتَّى أَبْعَدَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا، وَلَكِنْ قَدْ رَأَيْتُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ الْبَلَايَا تَحْمِلُ الْمَنَايَا، نَوَاضِحَ يَثْرِبَ تحمل الْمَوْت الناقع،


(١) الاصل: والمسابقة وَهُوَ تَحْرِيف.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>