(٦) ومِن عموم النهي من السنة: نَهْيُ النبيّ عليه السلام عن الذهب بالذهب، والورق بالورق، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا مِثلًا بمثل، سواءً بسواء، عينًا بعينٍ، ونَهَى عليه السلام عن بيع الطعام حتى يُستوفَى، ونَهَى عن الدَّيْن بالدَّيْن.
(٧) ومِن العموم الذي دل القرآن على أنه أريد به الخصوص: قال الله عز وجل في المشركين: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)[الأنفال: ٣٩]، فلو لم يقل غير هذا كان على العموم، فلما أمر بقتال المشركين من أهل الكتاب حتى يُعطُوا الجزية .. دل ذلك على الخصوص، وعلى أن أهلَ الشرك صنفان: أهل كتاب، وأهل أوثان، فجمَعهما الكفرُ والأمْرُ بقتالهم بمعنًى واحدٍ، وفُرِّق بينهما في إعطاء الجزية، فقُبِلَت مِنْ الكتابيِّ وحَرُم قتالُه، ولم تُقبَل من الوثني فحرم تركُه.
(٨) وقال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ)[النور: ٢]، ولو لم يقل غير هذا جُلِد مائةً كلُّ حُرٍّ وعبدٍ، فلما قال في الإماء:(فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ)[النساء: ٢٥] دلّ ذلك على الخصوص، فجَمَع العبدَ والحرَّ الزنا بمعنًى واحدٍ، وفُرِّق بينهما في أن جُعِل المائةُ على الحرِّ البكر، والنصفُ على العبدِ.
(٩) وقال عز وجل: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)[النساء: ٣]، فلو لم يقل غير هذا حلَّتْ كلُّ مؤمِنةٍ ومشرِكةٍ، فلما قال:(وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ)[البقرة: ٢٢١] دلّ ذلك على الخصوص، ثُمّ لو لم يقل غير هذا ما حلَّتْ مشرِكةٌ كتابيَّةٌ ولا وثنِيَّةٌ، فلما قال:(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)[المائدة: ٥] دلّ على أن التحريم على غير أهل الكتاب.