وفي سياق شرح قوله تعالى:{لكم دينكم ولي دين}(الكافرون: ٦)، وهي آية زعم بعض أهل العلم انها منسوخة بآية السيف، وذلك أنهم فهموا منها إقراراً للمشركين على شركهم، نُسٍخ بجهادهم وقتالهم، يقول ابن القيم:" إن هذه الأخبار بأن لهم دينهم وله دينه, هل هو إقرار فيكون منسوخاً أو مخصوصاً؟ أو لا نسخ في الآية ولا تخصيص؟ فهذه مسألة شريفة من أهم المسائل المذكورة.
وقد غلط في السورة خلائق، وظنوا أنها منسوخة بآية السيف، لاعتقادهم أن هذه الآية اقتضت التقرير لهم على دينهم، وظن آخرون أنها مخصوصة بمن يُقَرون على دينهم، وهم أهل الكتاب، وكلا القولين غلط محض، فلا نسخ في السورة ولا تخصيص، بل هي محكمة ...
ومنشأ الغلط ظنّهم أن الآية اقتضت إقرارهم على دينهم، ثم رأوا أن هذا الإقرار زال بالسيف, فقالوا: منسوخ ... ومعاذ الله أن تكون الآية اقتضت تقريراً لهم أو إقراراً على دينهم أبداً، بل لم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر وأشده عليه وعلى أصحابه - أشد على الإنكار عليهم، وتعييب دينهم وتقبيحه والنهي عنه، والتهديد والوعيد كل وقت وفي كل ناد، وقد سألوه أن يكف عن ذكر آلهتهم وعيب دينهم ويتركوه وشأنه, فأبى إلاّ مضياً على الإنكار عليهم وعيب دينهم، فكيف يقال: إن الآية اقتضت تقريره لهم؟
معاذ الله من هذا الزعم الباطل، وإنما الآية اقتضت البراءة المحضة - كما تقدم -، وأن ما هم عليه من الدين لا نوافقهم عليه أبداً؛ فإنه دين باطل، فهو مختص بكم لا نشرككم فيه، ولا أنتم تشركوننا في ديننا الحق، فهذه غاية البراءة والتنصل من موافقتهم في دينهم، فأين الإقرار حتى يدعى النسخ أو التخصيص؟ ...
بل هذه آية قائمة محكمة ثابتة بين المؤمنين والكافرين إلى أن يُطهِر الله منهم عباده وبلاده". (١)