للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويسوق القرطبي حجة لمن أثبت الإحكام لبعض هذه الآيات، فيقول: "والحجة لهذا القول ما رواه زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية: أسلمي تسلمي، إن الله بعث محمداً بالحق قالت: أنا عجوز كبيرة والموت أقرب إليّ! فقال عمر: اللهم أشهد، وتلا: {لا إكراه في الدين} (البقرة: ٢٥٦). (١)، فاستشهاد عمر بالآية دليل على أنه يراها محكمة.

ومثله صنع عمر مع مملوكه أسبق فقد روى ابن أبي حاتم بإسناده عن أسبق قال: كنت في دينهم مملوكاً نصرانياً لعمر بن الخطاب، فكان يعرض علي الإسلام، فآبى، فيقول: {لا إكراه في الدين} ويقول: (يا أسبق، لو أسلمتَ لاستعنّا بك على بعض أمور المسلمين). (٢)

وأكد ذلك رضي الله عنه في عهدته المشهورة لأهل القدس، فقد جاء فيها " هذا ما أعطى عبد الله عمر بن الخطاب - أمير المؤمنين - أهل إيليا من الأمان: أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها: ألا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها، ولا من خيرها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم .. ". (٣)

وبخصوص آية السيف، فإن العلماء لهم فيها تأويلات سوى تأويلها المشهور، فقد فسرها الطبري بأنها دعوة للوحدة في وجه المشركين، لا أنها تدعو لقتالهم أجمعين، يقول الطبري: "يقول جل ثناؤه: {وقاتلوا المشركين} بالله - أيها المؤمنون - جميعا غير مختلفين، مؤتلفين غير مفترقين، كما يقاتلكم المشركون جميعا، مجتمعين غير مفترقين" (٤)

ونقل عن ابن عباس وقتادة والسدي أقوالا في ذلك، فلآية - وفق تفسيره - ليست أمرا بشن الحرب على الكفار جميعا، بل دعوة للتناصر


(١) المحلى (١١/ ١٩٦).
(٢) الطبقات الكبرى (٦/ ١٥٨)، تفسير القرآن العظيم (١/ ٣١٢).
(٣) تاريخ الطبري (٣/ ٦٠٩).
(٤) جامع البيان (١٠/ ١٢٨)

<<  <   >  >>