للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والوحدة في وجه العدو الذي يقاتلنا مجتمعا.

والقول بنسخ آيات الجدال يعارضه قول طائفة من العلماء من التابعين وغيرهم، يرون آيات الجدال محكمة، ومنه قول مجاهد عن قوله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} قال: "هي محكمة، فيجوز مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن على معنى الدعاء لهم إلى الله عز وجل والتنبيه على حججه وآياته رجاء إجابتهم إلى الإيمان، لا على طريق الإغلاظ والمخاشنة، وقوله على هذا {إلا الذين ظلموا منهم} معناه: ظلموكم، وإلا فكلهم ظلم على الإطلاق ... ".

ثم ساق القرطبي قول القائلين بالنسخ، وأتبعه بقوله: "وقول مجاهد حسن، لأن أحكام الله عز وجل لا يقال فيها: إنها منسوخة؛ إلا بخبر يقطع العذر أو حجة من معقول، واختار هذا القول ابن العربي". (١)

قال ابن تيمية: "فهذا مجاهد لا يجعلها منسوخة، وهو قول أكثر المفسرين". (٢)

ومن هؤلاء المفسرين ابن كثير، فهو أيضاً يميل إلى رد دعوى النسخ في آيات جدال الكفار، فيقول: "بل هي باقية محكمة لمن أراد الاستبصار منهم في الدين، فيجادل بالتي هي أحسن، ليكون أنجع فيه، كما قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} الآية، وقال تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون: {فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى}، وهذا القول اختاره ابن جرير، وحكاه عن ابن زيد". (٣)

وقال ابن الجوزي: "وقد ذهب كثير من المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف، وفيه بُعد، لأن المجادلة لا تنافي القتال، ولم يقل له: اقتصر على جدالهم، فيكون المعنى: جادلهم، فإن أبوا فالسيف، فلا يتوجه نسخ". (٤)


(١) الجامع لأحكام القرآن (١٣/ ٣٥٠).
(٢) الجواب الصحيح (١/ ٢٤١).
(٣) تفسير القرآن العظيم (٣/ ٤١٦).
(٤) نواسخ القرآن (١/ ١٨٨).

<<  <   >  >>