للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها

هل راح منها بغير القطن والكفن (١)

أخي الحبيب:

اعلم أنه ليس من الزهد ترك المال, وبذله على سبيل السخاء والقوة واستمالة القلوب, إنما الزهد أن يترك الدنيا للعلم بحقارتها بالنسبة إلى نفاسة الآخرة, ومن عرف أن الدنيا كالثلج يذوب, والآخرة كالدر يبقى, قويت رغبته في بيع هذه بهذه (٢).

وقد كان زهد السلف في الدنيا خوف الوقوع في الحرام, قال مزمل: دخلت على سفيان وهو يأكل طبهاج (اللحم المشرح) ببيض فكلمته في ذلك, فقال: لم آمركم أن لا تأكلوا طيباً, اكتسبوا طيباً وكلوا (٣).

وقال علي بن الفضيل: سمعت أبي وهو يقول لابن المبارك: أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة, ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام, كيف ذا؟ فقال ابن المبارك: يا أبا علي إنما أفعل ذا؛ لأصون به وجهي, وأكرم به عرضي, وأستعين به على طاعة ربي (٤).


(١) التذكرة ص ١٠٢.
(٢) منهاج القاصدين ص ٣٥٥.
(٣) السير ٧/ ٢٧٧.
(٤) تاريخ بغداد ١٠/ ١٦٠.

<<  <   >  >>