وإذا كانت هذه هي حقيقة الحال في أوروبا، فإن حال البلاد الإسلامية جد مختلفة، إذ فيها دين أتى بنصوص صريحة وأساليب واضحة واجبة الاتباع في كل شأن من شؤون الحياة، وهذه النصوص تكون شريعة كاملة ناضجة هي الشريعة الإسلامية، وهذه الشريعة ظلت تحكم بلاد الإسلام على خير وجه ثلاثة عشر قَرْنًا على الأقل، ففصل الدين الإسلامي عن الدولة مع أن الدولة جزء من الدين، وإقصاء الشريعة الإسلامية التي يتعبد بتطبيقها المسلمون، وإحلال القوانين الوضعية محلها، ليس إلا خروجًا على الدين أو إخراجًا له من قلوب المسلمين.
ولا وجه لقياس البلاد الإسلامية على البلاد الأوروبية، لأن الدين الإسلامي أتى بشريعة كاملة أوجب تطبيقها، والدين المسيحي لَمْ يَأْتِ بشيء، ولأن الدين الإسلامي يجعل الحكومة جُزْءًا من الدين، وليس الدين المسيحي كذلك، ولأن فصل الدين عن الدولة لم يؤد إلى تعطيل المسيحية وإلزام المسيحيين قوانين غير قوانينهم، أما فصل الدين عن الدولة في بلاد الإسلام فقد أدى إلى تعطيل الإسلام وإلزام المسلمين قوانين خارجة على أحكام الإسلام، ولأنه ليس في بلاد الإسلام سلطة دينية وسلطة مدنية يتنازعان الحكم والسلطان