للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مَلاَمِحُ مَنْهَجِيَّةِ النَّقْدِ عِنْدَ الدُّكْتُورْ صُبْحِي الصَّالِحْ:

أيضاً مما يستوقفنا، ونحن نُسَرِّحُ عقولنا في هذا السِّفْرِ العِلْمِي المُبَارَكِ، متتبعين الإحالات العلمية، أن الدكتور الصالح ليس ممن يسلم للفكرة بسهولة، بل لا بد أن يكون لها من قوة الإقناع ما يلبي نهمه العلمي وعقله المستنير. لأنه صاحب قناعات ليس من السهل أن يأتيه آتٍ بما يخالفها، بل لا بد أن يكون عنده من قوة الحجة ما يجعل فكرته تصمد أمام نقده الدقيق والعميق.

لذلك نجده في الكثير من الإحالات في الحواشي يتبع الفكرة أو المعلومة المقتبسة بالنقد والتحليل، مهما كانت الفكرة بسيطة قد لا يُتَنَبَّهُ لها عادة.

من مثل تصحيحه لسنة وفاة التابعي همام بن منبه وأن وفاته كانت في سنة ١٠١ للهجرة كما جاء في ترجمته من كتاب " الطبقات الكبرى " لابن سعد، وليس ١٣١ أو١٣٢ على ما جاء في " تهذيب التهذيب " للحافظ ابن حجر، وعنه أخذ هذا التاريخ من ترجموا لهمام. كالزركلي مثلاً، ولم يدفعهم هذا الاختلاف الكبير لتحقيق التاريخ.

ولكن نَهَمَ الدكتور الصالح العلمي لا يشبعه مرور الكرام على هذه الإشكالية، وبالتالي لا بد من ترجيح تاريخ على آخر، فرجح ما جاء في " طبقات ابن سعد " معتمداً كونها (أقدم المصادر) والنص فيها واضح لا لبس فيه (إحدى أو اثنتين ومائة).

بينما عند الحافظ ابن حجر (قيل: سنة اثنتين، وقيل: إحدى أو اثنتين وثلاثين).

والحقيقة أن ما رجحه الدكتور الصالح هو التاريخ الصحيح، وقد جاءت ترجمة لهمام في كتاب قديم آخر هو " الطبقات " لخليفة بن خياط - المُتَوَفَّى سَنَةَ ٢٤٠ للهجرة - ضمن الطبقة الثانية من تابعي اليمن، فقال: «هَمَّامُ بْنُ مُنَبِّهْ: يُكنى أبا عقبة، مات سنة إحدى أو اثنتين ومائة» (١١٠). وابن خياط هذا معاصر لابن سعد المُتَوَفَّى سَنَةَ ٢٣٠ للهجرة فهذا يؤكد ما رجحه عالمنا الصالح.

ومن ذلك أيضاً أنه عندما تكلم عن صحيفة عبد الله بن عمرو الصادقة، استشهد بقول لابن عمرو يقول فيه: «مَا يُرَغِّبُنِي فِي الحَيَاةِ إِلاَّ خَصْلَتَانِ الصَّادِقَةُ وَالوَهْطُ، فَأَمَّا الصَّادِقَةُ فَصَحِيفَةٌ كَتَبْتُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا الوَهْطُ فَأَرْضٌ تَصَدَّقَ بِهَا عَمْرُو بْنُ العَاصِ كَانَ يَقُومُ عَلَيْهَا» (١١١).

وكان السيد رشيد رضا قد مال إلى تضعيف هذا القول في مجلة " المنار " (١١٢)، اعتماداً على وجود رَاوٍ مُعَيَّنٍ في سنده، فاعتبر الدكتور الصالح أن هذا: «لا ينبغي أن يكون له أثر في إضعاف سائر الروايات


(١١٠) " الطبقات " لخليفة بن خياط: ص ٥١٦.
(١١١) ينظر " أسد الغابة ": ج ٣ / ص ٣٤٦.
(١١٢) المجلد ١٠ / ص ٧٦٦.

<<  <   >  >>