ومعلوم أَنَّ (ماسينيون) كان يشغل منصب «مستشار وزارة المستعمرات الفرنسية لشؤون الشمال الإفريقي، كما كان الراعي الرُّوحِيَّ للجمعيات التبشيرية الفرنسية في مصر، عدا عن أنه خدم في الجيش الفرنسي خمس سنوات في الحرب العالمية الأولى»(٧).
لذلك فَإِنَّ تَلْمَذَةَ عَالِمِنَا «الصَّالِحْ» على يديه أكسبته معرفةً ثرَّةً بمناهج المستشرقين وطرائق التفكير والبحث عندهم، الأمر الذي أهله ليكون الناقد البصير بكتاباتهم، الخبير بمناهجهم.
لقد كان عند عالِمِنا الصالح من عِزَّةِ الانتماء إلى الإسلام ما يكفي ليكون قاضياً عادلاً سواء لموروثنا الثقافي، أو لأحكام المستشرقين عليه.
وقد ظهر هذا الاتجاه العادل جلياً في كل كتاباته، وبخاصة في كتابه " علوم الحديث ومصطلحه "، والذي طبع للمرة الأولى سَنَةَ (١٩٥٩م) في دمشق، فجاء متزامناً مع دراسات المستشرقين التي كانت تنشط في هذه الفترة المُهِمَّةِ من الحياة العلمية في العالم كله. ليُدَلِّلَ على مدى المتابعة الجادة الدؤوبة التي كانت تزين شخصيته العلمية.
وهذا الكتاب " علوم الحديث ومصطلحه " يعتبر سجلاً علمياً مهماً جداً في تلك الفترة من الزمن، بل وحتى إلى يومنا هذا , لأنَّ الدكتور الصالح لم يترك سانحة يقدر من خلالها على تصحيح خطأ وقع فيه المستشرقون، أو فَهْمٍ لا يستقيم مع روحيَّة العلم إلاَّ وابتهلها، فنراه يناقش ويُحَلِّلُ ويُدَقِّقُ وَيَحْشُدُ الأدلَّة ليؤكد على المواءمة بين الفطرة وأصول البحث العلمي، بكل دِقَّةٍ وأمانةٍ وموضوعيةٍ. ولكن ليس بعيداً عن الاعتزاز بالانتماء العقدي، والتباهي بالمنهجية العلمية التوثيقية التي أرسى مبادئها العلماء المسلمون عبر التاريخ.
لذلك اخترت الكتابة في هذا الجانب مُتَّخِذاً البحث الأول من الكتاب مثالاً على الذهنية العلمية ومنهجية البحث الحديثي الذي كان يَصْبُغُ شخصية عالِمِنا - رَحِمَهُ اللهُ -، ليكون نموذجاً لملامح التجديد في فكر الشهيد الشيخ الدكتور صُبْحِي الصَّالِحْ - رَحِمَهُ اللهُ -، وبالأخص فيما يتعلّق بعلوم الحديث الشريف.
(٧) ينظر: د. محمد البهي، " الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي ". ص: ٥٥٦. نقلاً عن المصدر السابق. ص: ١٨.