للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

واتفق أهل العلم على تحريم الإعانة على الإثم والعدوان وعلى حرمة شهود منكراتهم , واتفق أهل العلم أيضاً على أن محبة الخير والهداية للناس جميعاً مؤمنهم وكافرهم والرحمة والشفقة عليهم مشروعة ولا علاقة لها بالبراء الشرعي من المشركين , واتفق أهل العلم كذلك على أن صلة الأقارب الكفار تكون محرمة إذا خشيت على نفسك أن يُضلوك ويضروك , وعموماً يجب هجر كل من يُدخل عليك الضرر في دينك هجراً جميلاً وقائياً ويُستثنى من ذلك ما كان على سبيل المداراة , واتفقوا على أن المسلم لو هجر أقاربه الكفار فإنه يجب عليه أن يكون الهجر هجراً جميلاً وهو الذي لا أذى معه ما لم تكن هناك مصلحة شرعية لهجرهم هجراً إيجابياً مبني على إظهار البغض لهم , واتفق أهل العلم كذلك على وجوب البر بالوالدين الكافرين وصحبتهما في الدنيا معروفاً وحرمة هجرهما وأن الشارع أذن بالزواج من الكتابية المحصنة العفيفة وأن الصلة والبر والإحسان الذي لا يستلزم التحابب والتوادد كالصلة بالمال ونحوها للكافر المسالم وخاصة ذوي الرحم منهم مشروع.

وعلى هذا فبعد بيان المسائل المتفق عليها بين أهل العلم المحققين, إذاً في ماذا اختلف أهل العلم؟

أقول اختلف أهل العلم في مسألة وهي: هل يجوز للمؤمن أن يود ويحب الكافر المسالم محبةً طبيعية؟

وهنا تنبيه مهم قبل بيان هذه الأقوال عليك أن تعلم أن كل قول سأورده إن شاء الله قال به طائفة من أهل العلم قد اتفقوا على حكم المسألة دون الاتفاق على الدليل في بعض الأحيان فقد يستدل العالم الأول بدليل لا يوافقه العالم الثاني على ذات الدليل وإن اتفقا على نفس حكم المسألة , والحاصل أن أقوال أهل العلم في هذه المسألة على ثلاثة أقوال تقريباً , وبيان هذه الأقوال باختصار هي ما يلي:

الفريق الأول: قالوا أنه يجب بغض الكافر لكفره وإن لم يكن ذلك فلا أقل من عدم موادته لا دينياً ولا طبيعياً , وعلى هذا فلا يجوز عندهم مودة الكافر أبداً ولو كانت جبلية ولو كان الكافر غير محارب ولو كان الكافر زوجة كتابية.

الفريق الثاني والثالث اتفقوا فيما يلي: قالوا لا مانع من محبة الوالد أو القريب الكافر أو الزوجة الكتابية إذا لم تكن لدينهم، بل لقرابتهم فهذه المحبة الطبيعية التي تُمليها الجبلية البشرية والفطرة الإنسانية لا تحرم ولا يُلام عليها المسلم وهذا القدر متفق عليه بين الفريق الثاني والثالث إلا أنهم اختلفوا في حكم إضمار البغض في الله للوالد الكافر والزوجة الكتابية فقال فريق منهم إنه يجوز محبتهم بمقتضى الجبلة البشرية والطبع إلا أنه يجب أن يُصاحب محبتهم المحبة الطبيعية البغض لهم في الدين وقالوا لا منافاة بين الجمع بين بغضهم في الله وبغض أشخاصهم لكفرهم ومحبتهم بمقتضى الطبع , أما الفريق الآخر فقالوا إنه لا يلزم بغض شخص الكافر وذاته وأن المحبة الفطرية للكافر هي مثل الخوف الفطري لا يُؤاخذ العبد عليها إلا إذا رتب على هذا المحبة الفطرية ترك واجب أو فعل محرم , ويرون أن محبة الكافر المسالم المعين لغير دينه جائزة وهي من باب الرخصة لعسر التحرَز منها وخاصة مع من يخالطهم المسلم للحق الواجب كالوالدين المشركين والزوجة الكتابية ونحوهما وهذا من التخفيف الذي يتبع التشريع , واشترطوا عدم التوسع في هذه

<<  <   >  >>