للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لكفرها ولدينها ونحلتها وبغض تدينها به وانتحالها له، فلا يعارض هذا هذا ألبتّة. .. انتهى).

وبهذا يتبيَن أن أهل هذا المذهب يرون أنه لا منافاة بين المحبة الطبيعية، وبين البغض للشخص في الله؛ لأن البغض له مقتضى آخر وهو مقتضى شرعي أيضاً فإذا ابتُلي المسلم بمحبة الكافر محبة طبيعية فلا ضير ولكن يُعامله بمقتضى الشرع , ومقتضى الشرع يوجب بُغض الكافر لأجل كفره ولو كان أقرب قريب، وأما المحبة الطبيعية كمحبة الزوجة أو الولد أو الأخ إذا كانوا كفاراً غير محاربين فجائزة لكن تكون مصاحبة للبغض الإيماني لأجل كفرهم وعلى هذا فأهل هذا المذهب يختلفون مع أهل المذهب الأول باعتبار إمكانية وجود المودة الفطرية للكافر ابتداءً لكنهم يوافقونهم باعتبار المآل والغاية وهو وجوب بغض الكافر لكفره.

أما الفريق الآخر وهو الثالث فقالوا إنه لا يلزم بغض شخص الكافر وذاته وأن المحبة الفطرية للكافر المسالم المعين هي مثل الخوف الفطري لا يُؤاخذ العبد عليها إلا إذا رتب على هذا المحبة الفطرية ترك واجب أو فعل محرم , ويرون أن محبة الكافر المُسالم المعين لغير دينه جائزة وهي من باب الرخصة لعسر التحرَز منها وخاصة مع من يخالطهم المسلم للحق الواجب كالوالدين المشركين والزوجة الكتابية ونحوهما وهذا من التخفيف الذي يتبع التشريع , واشترطوا أن تكون بالقدر الذي يرفع فيه المسلم الحرج عن نفسه وقالوا أنه يكفي البراءة من كفر الكافر وعدم متابعته وإقراره على باطله وبغض أعماله المخالفة للشرع وعدم تعظيمه دون بغض شخصه بشرط ألا تُقدم محبته على محبة الله ورسوله لاسيما مع من يُخالط منهم ويعسر التحرَز من قطع أسباب مودتهم لأي سببٍ كان إلا أنه لو أبغضهم فلا تثريب عليه لأنهم قد تعاطوا موجبات وأسباب البغض في الله , واشترطوا كذلك عدم التوسع في هذه الرخصة وقالوا مستدلين بالمعقول أنََ إعطاء الوسيلة حكم التوسل إليه دليل على حكمة الباري وعلمه بخصائص النفس البشرية لأنه لو حرم الشيء وأباح الوسائل الموصلة إليه غالباً لوقع الناس في حرج عظيم فما بالك لو كان تعاطي هذه الوسائل واجب كوجوب بر الوالدين المشركين وصحبتهما في الدنيا معروفاً , وممن ذهب هذا المذهب الشيخ ابن عثيمين وإن كان له رأي آخر في ذات المسألة فقال الشيخ رحمه الله في شرحه لكتاب الجنائز في بلوغ المرام تعليقاً على حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أعطني قميصك أكفنه فيه" فأعطاه إياه، متفق عليه. قال ما نصه} أن المودة للقرابة لا تُعد من المودة في الدين فإن قال قائل هذا يُعارض قوله تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ .... الآية) , فالجواب أن الموادة شيء والمحبة الطبيعية التي مقتضاها القرابة شيء آخر فالمواد هو الذي يسعى في طلب المودة أكثر مما تقتضيه الفطرة ويسعى إلى رضاهم بكل وسيلة ويدلك على هذا قوله تعالى (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) والأبناء

<<  <   >  >>