للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

للخزرج ابني يمنعني بيتي فقال والله لا يأويه أبداً إلا بإذن منه، فاجتمع إليه رجال فكلموه فقال: والله لا يدخلن إلا بإذن من الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه فقال: «اذهبوا إليه فقولوا له: خله ومسكنه» فأتوه فقال: أما إذا جاء أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فنعم اهـ. فإذا انعقدت آصرة العقيدة فالمؤمنون كلهم إخوة، ولو لم يجمعهم نسب ولا صهر، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وإذا اختلفت العقيدة ووقف المختلفان موقف المتحاربين فلا صلة ولا ارتباط ولو كانوا أباً أو ابناً.

وبهذا يتبين أن الموالاة والنصرة على الدين والمحبة الدينية تختلف عن البر والإحسان إلى الكافر القريب أو الوالد , وأما بالنسبة لبغض الكفار في الله وحكمه , وهل يجوز مودة المؤمن للكافر باعتبار وجوب البر ببعض أفراد الكفار وعشرتهم بالمعروف وحرمة هجرهم كالأب المشرك والأم المشركة وكذلك الزوجة الكتابية؟ أقول وبالله أستعين ما يلي:

قبل أن نشرع في خلاف العلماء في هذه المسألة لابد من أن نشرع في المتفق عليه بين أهل العلم المحققين في هذا الباب وهو ما يلي:

إن أهل العلم المحققين اتفقوا على أن المودة الدينية لا تجوز للكافر بحالٍ من الأحوال , واتفق أهل العلم كذلك على حرمة محبة عموم ومجموع الكفار ولو كانت لغير دينهم , واتفق أهل العلم كذلك على وجوب بغض الكافر المحارب للدين وأهله ولا رخصة في محبته أبداً ألبته ولو كانت طبيعية ولغير دينه ذلك أن الشارع قد قطع أسباب هذه المودة كلياً فلا يجوز الإهداء لهم ولا زيارتهم ولا صحبتهم بالمعروف بل الواجب جهادهم ومدافعة شرورهم , واتفق أهل العلم أيضاً على أن بغض الكافر المسالم الذي لا يُحارب الدين وأهله جائز ولا تثريب على المسلم في ذلك لأن الكافر هو الذي تعاطى أسباب وموجبات البغض الديني واتفقوا على أنه يجب القصد والاعتدال في البغض للكفار بحيث لا يحمل البغض على ظلمهم أو تضييع حقوقهم , وألا لا يُغرق المسلم في بغضائهم ويجعل لحسن التعامل موضعاً وهذا في حق الكفار المسالمين باستثناء المُحاربين , واتفقوا كذلك على أن عدم مودة الكافر عموماً تُجزيء عن بغض شخصه وذلك أن عدم المودة شيء والبغض شيء آخر فلا يلزم من عدم مودتك لأحدٍ ما أنك تحبه أو أنك تُبغضه , إذ أن الموالاة والمعاداة كما هو معلوم ضدين كما أن المحبة والبغض ضدين أيضاً وليسا نقيضين كما يتوهم البعض , قال المتكلمون الضدان هما ما يمكن ارتفاعهما معاً ولا يمكن اجتماعهما معاً وذلك كاللون الأبيض والأسود فقد يكون شىءٌ ما لونه أبيض أو أسود أو غير ذلك كاللون الأخضر ولكن لا يمكن أن يكون الشىء الواحد نفسه أبيض وفي ذات الوقت أسود.

أما النقيضان فهما اللذين لا يُتصور ارتفاعهما معاً ولا اجتماعهما معاً مثل الموت والحياة فلا يمكن أن يكون أحد ما حياً ميتاً أو لا حياً ولا ميتاً بل لا بد من أحدهما أي لا يوجد سوى هذين الاحتمالين.

واتفق أهل العلم كذلك على وجوب بغض جميع الأعمال المخالفة للشرع بغض النظر عمَن صدرت منه وعلى وجوب البراءة من أعمال الكفار وعدم متابعتهم أو إقرارهم على شيء من باطلهم أياً كانوا سواءً كانوا آباء أو إخوة أو زوجة كتابية

<<  <   >  >>